booked.net

الجذور المغربية والمشرقية للعائلات البيروتية -4

الجذور المشرقية للعائلات البيروتية:

1- الموجات الشامية:
كانت بلاد الشام على مر التاريخ تشكل وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية، لهذا فإن الهجرة والهجرة المضادة من وإلى المناطق الشامية كانت مسألة عادية جداً، وقد استمر الوضع قائماً حتى نهاية الاحتلال الفرنسي عام (1946م) الذي قسّم البلاد، ووضع أسس العوائق. وبالرغم من هذا الواقع فإن العلاقات الأسرية بين العائلات البيروتية واللبنانية من جهة والعائلات الدمشقية والسورية من جهة ثانية ما تزال واضحة المعالم. ففي سوريا تجد الكثير من العائلات البيروتية واللبنانية، كما يجد الدارس الكثير من العائلات الدمشقية والسورية في بيروت ولبنان.
ومن خلال أسماء بعض العائلات البيروتية يمكن التعرُّف إلى جذورها وأصولها منها على سبيل المثال عائلات:
الأدلبي، الحلبي، الحمصي، الحموي، دمشقية، الدمشقي القضماني، الدمشقي، الشامي، اللادقي، اللادقاني، الطرابلسي الشامي. هذا بالإضافة إلى عائلات أخرى قدمت من دمشق ومناطق سورية أخرى مثل: أسومة، أياس، برازي، بحصلي الدمشقي، بندقجي، بركات، بردقاني، التقي، الجابي، حلواني( )، حنو، حوري( )، حواصلي، خاطر، خليفة، دبس، دروبي، دقر، ساعاتي، السبسبي الأدلبي ومن ثم الطرابلسي، سماقية، شاويش، شوربجي، صبرا اللادقاني، الضاني، عضّام السيباسي، عضوم، علبي، عيسى، فاكهاني، قباني الدمشقي، القوتلي، قاطرجي، كنعان الشامي، كيالي، المشنوق الحموي، ملص، مطرجي، ياسين دياب الإدلبي وسواها من عائلات.

2- الموجات المصرية:
يعتبر العنصر المصري عنصراً واضحاً في التركيبة السكانية لبيروت، ومختلف المناطق اللبنانية والسورية، نتيجة للعلاقات التاريخية بين مصر وبلاد الشام، وبسبب وحدة المنطقتين عبر التاريخ لا سيما بعد سيطرة محمد والي مصر على البلاد السورية بين أعوام (1831 - 1840م) وقلّما تجد مدينة في بلاد الشام إلا وتجد فيها حي يعرف حتى اليوم بـ"حي المصاروة". بالإضافة إلى أن بيروت والكثير من البلاد السورية ما تزال تطلق على العملة والنقود حتى اليوم لفظ "مصاري" و"مصريات" نسبة إلى العملة المصرية التي كانت سائدة أثناء الحكم المصري وبعده.
ومن خلال دراسة أسماء بعض العائلات البيروتية يدرك الدارس الجذور المصرية لهذه العائلات والمناطق التي قدمت منها وهي على سبيل المثال:
الأزهري، الإسكندراني، البطراوي (من بطرة بمصر)، التكروري (من تكرور)، الجيزي( )، الدسوقي، الدمياطي، الرشيدي، الشرقاوي، الصعيدي، فايد، فايد الأسوانلي، فرسكوري البوتاري، الفيومي، المصري. ومن العائلات البيروتية ذات الجذور المصرية على سبيل المثال أيضاً: الأسطة، الأغر، البربير( )، برهومي، المصري، بدرشاني، الحصري المصري، حسونة، حمادة، حمد، الحلوجي، الحوت، سالم، الشريف، صبيح، علي حسن، غنيم، فرغل، فتحة، فتوح، فليفل، قليلات بالوظة، قباني المصري، قريطم، محب، محرم، المصري، المصري السنغال، موسى، نقرش، وهبة، وهبة المصري وسواها.

3- الموجات الحجازية واليمنية:
شهدت بيروت منذ الفتح الإسلامي وفي العهود العربية المتعاقبة العديد من المهاجرين من القبائل العربية، واستمر هذا الواقع حتى منتصف القرن العشرين. ويبرز ذلك واضحاً من خلال أسماء بعض العائلات البيروتية منها عائلات: البدوي، حجازي، مدني، مكي، مكاوي، اليمن، الدفتردار المدني، السعودي، وسواها من العائلات.

4- الموجات العراقية:
كانت بغداد في العهود العباسية الأولى عاصمة للعلم، وقد قصدها الكثير من البلاد الشامية. ونتيجة للتواصل ولعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية لا سيما بعد غزو المغول لها وللبلاد المجاورة، فقد شهدت بيروت وصول العديد من العائلات العراقية بالإضافة إلى العائلات الدمشقية، واستمرت الهجرة العراقية في العهد العثماني ولكن بأعداد قليلة، وقد حملت بعض هذه العائلات أسماء المناطق التي وصلت منها وهي على سبيل المثال:
بغدادي، بغدادي اللحام، بغدادي كبي، موصلّي. بالإضافة إلى عائلات عراقية حملت اسم كيلاني لانتسابها إلى الطريقة القادرية المنسوبة إلى سيدي عبد القادر كيلاني أو جيلاني. كما أن أسرة النصولي البيروتية تعود بجذورها إلى الموصل في العراق( ). وهناك فرع طرابلسي الأصل. وهي عمرية تعود بِنَسَبها إلى الخليفة عمر بن الخطاب. كما يوجد في بيروت أسرة سروجي وهي تنتسب إلى منطقة سروج العراقية قرب الفرات، وهي غير أسرة السروجي المصري، والسروجي الدمشقي التي تنسب إلى مهنة السروجي الخاصة بإعداد لوازم السرج للدواب.

5- الموجات الفلسطينية:
ارتبطت العائلات الفلسطينية بعلاقة قربى ونَسَب مع العائلات البيروتية قبل الإسلام، وبالذات منذ العهدين الكنعاني والفينيقي، وتوطدت هذه الصلة مع الفتح العربي لبلاد الشام، ثم ازدادت صلة في العهد العثماني، وجرت هجرة وهجرة مضادة من فلسطين إلى لبنان والعكس صحيح إلى أن قام الاحتلال الصهيوني عام (1948م) بتقطيع أواصر هذه القربى. غير أن مجيء الفلسطينيين مجدداً إلى لبنان منذ إعلان الكيان الصهيوني عام (1948م)، جدد أواصر العلاقات بين العائلات الفلسطينية واللبنانية. والأمر الملاحظ أنه قلّما تجد عائلة لبنانية إلاّ وأحد أفرادها له صلة نَسَب أو تصاهر مع عائلة فلسطينية. ويمكن أن نستدل على الجذور الفلسطينية للعائلات البيروتية من خلال أسمائها والمناطق التي قدمت منها وعلى سبيل المثال:
أبو زيد، أبو النصر اليافي، برهومي، بيساني، الصفدي، عكاوي، غزاوي، النابلسي، اليافي، اليافاوي. وألقاب غير نسبة المدن التي قدموا منها مثل: أبو غزالة، وأبو لبن، والحكيم، والحسيني والخالدي، والخضري، والطيبي، والعمري، والمدهون، والمدهون اليافي، واليافاوي، وستيتية أو استيتية. كما نسبت منطقة جبارة في فلسطين قرب طولكرم إلى أحد علماء آل جبارة (شبارة، شبارو) المغربية الأصل، التي توزعت في فلسطين والأردن وبيروت.

6- الموجات الأيوبية والمملوكية والعثمانية والإيرانية:
تعرضت بيروت ومختلف بلاد الشام لموجات هجرة مدنية وعسكرية في العهود الأيوبية والمملوكية والعثمانية، خاصة وأن هذه العهود صاحبتها مجيء عشرات الآلاف من العساكر المقاتلة، بالإضافة إلى أن حكام وسلاطين هذه العهود كانوا يعمدون إلى صبغ مناطق برمتها بالصبغة الأيوبية أو المملوكية أو العثمانية بواسطة إسكان الجيوش بكثافة في تلك المناطق، من هنا نجد أن بيروت وبلاد الشام قاطبة تعرضت لتلك الهجرات والموجات السكانية التي تمازجت مع العائلات البيروتية القديمة وتصاهرت معها، ومنها من احتفظ باسمه الأصلي، ومنها من اتخذ أسماء وألقاباً جديدة تبعاً للواقع الاجتماعي الجديد. من بين تلك الأسر على سبيل المثال:
أصفهاني، الأيوبي، الأرناؤوط (من ألبانيا)، إستانبولي، إسلامبولي، أزمرلي، أورفلي، أدهم( )، البوشناق (البوسنة)، البقسماطي، بكداش، بهلوان (بلهوان)، الترك، جركس (الشركس)، حلمي، خورشيد، خيوي، دوغان، سنجر، الشعار( )، الشعار الحسامي الجبيلي (تعود بِنَسَبِها إلى الأمير سيف الدين بكتمر الحسامي)، شومان الأفغانية الأصل، طربيه، عرقجي، فرشوخ مسالخي، قبرصي، قبرصلي، الكردي، كريدية، كشلي، كلش، لاوند، مورللي (من المورة في اليونان)، الملا، مرهمو، النويري، النوري، نجا الأيوبي، نجا العجم، جوجو، رستم. بالإضافة إلى عائلات: بخاري، جارودي، فروخ، ميرزا، أرضروملي (من أرض روم في تركيا) مارديني من ماردين وسواها.
ولا بد من الإشارة إلى أن بيروت شهدت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قدوم عساكر من مسلمي الهند قدموا مع الجيش البريطاني. وقد استقر بعضهم في بيروت وحملوا اسم عائلة الهندي، ومن أفرادها من استقر في منطقة الطريق الجديدة وهم جيران لأجدادي وعائلتي، كما عرفت المنطقة ذاتها أسرة الحبش وفي مقدمتها الأستاذ سعد الدين الحبش( )، وهي من أصول سورية وبعضها من أصول فلسطينية.

7- الموجات اللبنانية:
توطّنت العائلات والقبائل العربية في مختلف المناطق اللبنانية والشامية، ونتيجة للعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية حدثت موجات من النزوح من تلك المناطق إلى بيروت، أو من بيروت إلى خارجها للأسباب ذاتها؛ لأن ما من منطقة لبنانية إلاّ وتعرضت عبر التاريخ لأعمال حربية أو لظروف اقتصادية أو اجتماعية. لهذا فإنه من خلال دراستنا لأسماء بعض العائلات البيروتية ندرك الجذور اللبنانية لهذه العائلات، منها على سبيل المثال: بتروني، برغوت القلموني، بعلبكي، برجاوي، بنات الصوري، الترك الشحيمي (الخطيب)، تمساح الصوري، حاسبيني الجبيلي، الجبيلي الحسامي الشعار، داموري، سبليني، سحمراني، الشقيفي، صيداني، صيداوي، صفصوف البتروني، الطرابلسي، عانوتي، عرداتي (من عردات شمال لبنان)، غزيري (بربر غزيري)، مزبودي، مناصفي وسواها.
بالإضافة إلى توطن أسر عديدة في بيروت من مختلف المناطق اللبنانية: الأحدب، بارودي، البابا، بربور، الحلو، زنتوت، دسوم، شرمند، الصلح، الصيداني( )، الطرابلسي التي تفرعت منها أسرة قمورية الطرابلسية الأصل، العكاوي، علم الدين، الغول (البابا الغول)، الفاخوري الطرابلسي، فارس الطرابلسي، فارس البقاعي، عثمان، مطرجي، مرعي (مرعي بليق)، كريّم، كنعان، المملوك، نجا الطرابلسي، ناصر، زنتوت الصيداوي وسواها.

8- الموجات السكانية المعاصرة:
لم تقتصر حركة الاندماج السكاني في بيروت أو ما اصطلح على تسميته "البَيْرَتة" على العصور القديمة والوسطى والحديثة، بل استمرت حتى في التاريخ المعاصر سواء في عهد الانتداب والاحتلال الفرنسي، أو في عهود الاستقلال، غير أن من أوسع الحركات الاندماجية ومن أوسع مظاهر "البيرتة" المعاصرة، ما جرى بين عام (1993 - 1994م) عند إصدار مرسوم التجنس لمن يحق أو لا يحق لهم التجنس ممن هم من مواليد بيروت والمناطق اللبنانية الأخرى، وهم من السوريين والمصريين والأردنيين والأقباط والأرمن والأشوريين والسريان والكلدان. ومنهم من استعاد جنسيته اللبنانية بعد أن تركها أجداده ردحاً من الزمن. وقد نالت بيروت قسطاً وفيراً وعدداً واضحاً من المجنسين الجدد. ولن تمضي سنوات طويلة حتى تصبح هذه العائلات - وبمرور الزمن - من العائلات البيروتية. وقد يستغرق الحصول على سمة البَيْرَتة بين (25 - 50) سنة على الأقل.
وأهمية بيروت في مدى تأثيرها على أهلها وسكانها والمندمجين فيها عبر العصور، بحيث يشعر البيروتي القديم أو الجديد بانتماء واضح، بل بتعصُّب قلما يجده المرء عند أهل وسكان المناطق والعواصم الأخرى.
من جهة أخرى فإن كثرة الهجرات إلى بيروت منذ مئات السنين كانت - وما تزال - من العوامل الرئيسية التي دعت البيارتة للتحرر من نطاق سور بيروت القديم، ومن نطاق الأبواب السبعة إلى ظاهر وضواحي المدينة التي كانت تتسع فترة بعد أخرى إلى أن وصلت اليوم جنوباً باتجاه خلدة وعرمون وبشامون، وشمالاً باتجاه جونيه وشرقاً باتجاه بعبدا واليرزة.
وخلافاً للرأي السائد الرافض واقع التوسع البيروتي من الداخل إلى الضواحي، بحجة أنها مؤامرة لاقتلاع البيروتي من أرضه، غير أنّني أرى أنه يكفي بيروت والبيارتة فخراً أنهم استطاعوا تحويل بيروت منذ مئات السنين من بلدة متواضعة قابعة داخل سورها، إلى مدينة من أعرق المدن العربية، وذلك بفضل نشاط وهمة وانتماء أبنائها إلى أرضها وسمائها ومياهها ومبادئها، فلا غضاضة من توسع بيروت جنوباً وشرقاً وشمالاً، فهذه سنة التطور والحياة، وسيأتي وقت ليس ببعيد، وترى الأجيال القادمة أن هذا التوسع البيروتي الجديد إنما أدى إلى توسُّع الرقعة البيروتية على غرار ما جرى في العهد العثماني والعهود الأخرى، وعلى غرار توسع القاهرة القديمة، ودمشق القديمة، وبغداد القديمة وسواها من عواصم عربية وأجنبية.