booked.net

7- الجوامع – المساجد في بيروت المحروسة


 منذ أن دخل المسلمون إلى بلاد الشام، بدأوا بإيجاد المراكز الدينية لهم، وبدأوا ببناء المساجد والجوامع. وبيرت التي كانت تسمى ساحل دمشق وقصبتها شأنها شأن المناطق الإسلامية. فبعد موقعة اليرموك عام 16هـ 636م، تولى شأن الساحل الشامي وبيروت من ضمنه القائد سفيان بن مجيب الأزدي، ثم تولى حكم بيروت الوالي عبد الرحمن بن سليم الكلبي، ومن بعده الوالي أيوب بن خالد الجهني على ما جاء في ابن عساكر.

وكانت بيروت كلما ازدادت بطابعها الإسلامي وبكثرة سكانها المسلمين، كلما ازدادت المراكز الدينية الإسلامية، لا سيما أنها شهدت وفادة الكثير من العلماء والمحدثين والفقهاء خلال العصور الإسلامية الأولى ومن هؤلاء على سبيل المثال: أبو الدرداء، بشير بن سعد، أبو ذر الغفاري، سلمان الفارسي، عبد الملك بن الجادر، سعيد المقبري، الإمام الأوزاعي، إبراهيم بن أدهم، أبو حازم، وصاحب الخليفة أبو بكر الصديق القائد المحدث حيان بن وبرة المري، وأيضاً آمر بيروت وواليها أيوب بن خالد الجهني الخزاعي الذي تتلمذ على الأوزاعي طويلاً. ومنهم أيضاً القائد جناد بن أبي أمية أمير البحر ببيروت الذي لم يكن قائداً فحسب، بل كان محدثاً وفقيهاً وأفتى ببيروت ودمشق.

ومن الوعاظ والمحدثين المسلمين الذين توطنوا بيروت ابن كعب الذي كان يعظ المسلمين في بيروت، ومجاهد بن جبر الذي كان يقص عليهم ويقرئهم القرآن الكريم. ومن قضاة بيروت الفقهاء المحدثين في العصر العباسي، أبو المعلى صخر بن الجندل، وسعيد بن أبي سعد، وعبد المؤمن بن المتوكل بن مشير البيروتي، وعلي وعبد الحميد بكار، ويزيد بن عبد الله بن صالح البيروتي، وأبو عبد الله المكحول، الوليد بن مسلم البيروتي، وعمير بن عفان وسواهم الكثير.

وهكذا يلاحظ بأن الجذور الأولى للواقع الإسلامي في بيروت، كانت جذوراً قائمة على التفقه والتدين والتعبد. وتشير المصادر التاريخية إلى وجود "المسجد الجامع" في بيروت في أواخر العصر الأموي، وعرف بمسجد "ورد". كما أشارت المصادر إلى وجود الأئمة في المسجد الجامع ومنهم: عبد الرحمن بن الفتح الثقفي، وعمر بن أحمد بن أسد البيروتي، وموسى بن عبد الرحمن الصباغ المقري، ومحمد بن أحمد السلاماني. ويكفي الإشارة إلى الإمام الأوزاعي وتلامذته الأئمة ومنهم: العباس بن الوليد البيروتي، والهقل بن زياد البيروتي وسواهما.

إن هذه الأسماء من الأئمة والفقهاء والوعاظ، تشير إلى تعدد مراكز العبادات الإسلامية من زوايا ومساجد وجوامع. وسنحاول أن نلقي بعض المعلومات على بعض الجوامع والزوايا التي وجدت في باطن بيروت ومنها:

1- الجامع العمري الكبير: وهو أكبر الجوامع الموجودة في باطن بيروت، وقد أطلق عليه هذا الاسم تكريماً للخليفة عمر بن الخطاب. وقد عُرف أيضاً باسم جامع فتوح الإسلام، وباسم جامع النبي يحيى. ويذكر بأن هذا الجامع حول في عهد الصليبيين إلى كنيسة، ثم قام السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 583هـ-1187م بتحويل الكنيسة إلى مسجد. ولما استعاده الصليبيون عام 593هـ-1197م حولوه إلى كاتدرائية بقيت في حوزتهم حتى عام 690هـ-1291م، فاستعاده المسلمون ثانية في عهد المماليك في أيام الأمير سنجر مولى الملك أشرف خليل بن السلطان محمد قلاوون في عام 764هـ. ومنذ تلك الأيام استقر مسجداً.

جدد بناءه حاكم بيروت زين الدين بن عبد الرحمن الباعوني، وكان في الكنيسة صور فطلاها المسلمون ‏بالطين، وفي عام 914هـ أنشأ المئذنة موسى إبن الزيني في عهد الأمير الناصر محمد بن الحنش، وفي عام ‏‏1067هـ عام أضاف عبد الله بن الشيخ إبراهيم الخطيب عدة غرف إليه، وفي عام 1183هـ في عهد حاكم ‏بيروت أحمد باشا الجزّار أنشئ الصحن الخارجي، وفي عام 1305هـ أنشأ السلطان عبد الحميد الثاني ‏القفص الحديدي داخل المسجد المنسوب لمقام النبي يحيى.

في عام 1328هـ-1910م أرسل السلطان محمد رشاد الشعرة النبويّة الشريفة تقديراً لولاء وإخلاص أهل ‏بيروت، وبمسعى الدولة العُثمانيّة وبتبرعات أهل الخير، تمّ شراء الأراضي المحيطة بالجامع مثل الصحن ‏الخارجي والدكاكين.

   أوقف أهل بيروت على هذا الجامع المئات من الأوقاف والأحكار والأراضي للإنفاق عليه، للجامع ‏العمري الكبير باب كبير يطل على سوق العطارين، وباب ثان يطل على سوق الحدادين، كما فُتح له باب ‏ثالث يطل على شارع الفشخة أي شارع ويغان، وهو شارع الترامواي الكهربائي المستحدث في أوائل القرن ‏العشرين. في عام 1936 صدر مرسوم جمهوري رقم (612) Eتاريخ 16 حزيران يقضي بأن يكون الجامع من الأبنية الأثرية. وكان الشيخ علي بن حسن الفاخوري إماماً للجامع العمري الكبير لمدة ستين عاماً. ثم حل محله الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت فيما بعد. بينما كان خطيب الجمعة نقيب السادة الأشراف الشيخ عبد الرحمن النحاس المتوفى عام 1901، ثم حل من بعده ابنه الشيخ عبد القادر النحاس، بينما متولي أوقاف الجامع العمري الكبير والقائم على شؤونها فقد كان الحاج محمد علي موسى. تم ترميمه بعد انتهاء الحرب اللبنانية، كما جرت توسعته، واكتشاف مسجد سفلي يعود إلى العهدين الأيوبي والمملوكي كان مطموراً، وقد حُول هذا الطابق إلى منشآت تابعة للمسجد، منها ميضأة، وقاعة محاضرات وسواها.

2- جامع السراي: ويعرف أيضاً باسم جامع الأمير منصور عساف الذي امتدت إمارته من نهر الكلب إلى حماه (1552-1580م). كما أطلق عليه اسم جامع دار الولاية. وسمي بجامع السراي لقربه من سراي الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير، نسبة للقصر الذي أنشأه الأمير فخر الدين المعني الثاني أمير جبل لبنان وبيروت. وقد كان هذا القصر مركزاً للحكم في بيروت. كما أشارت بعض المصادر إلى أن نسبته للأمير محمد عساف هي الأصح وهو محمد بن الأمير منصور عساف التركماني.

يقع هذا الجامع شرقي الجامع العمري الكبير على مدخل سوق سرسق، وتجاه الزاوية الجنوبية الشرقية لبناية بلدية بيروت. وقد أزيلت الدكاكين القديمة التي كانت بمدخله الحالي عامي 1946-1947. وكان يوجد بالقرب منه حارة اليهود، وجنينة بني الدنا، والباب الشهير بباب السراي أو باب المصلى، وهو أحد أهم أبواب بيروت المحروسة.

أشار الرحالة الشيخ عبد الغني النابلسي الذي زار بيروت في العام 1112هـ-1700م، بأن جامع السراي كان له بابان، وأن فناءه احتوى على بركة للمياه. وأشار أيضاً بأن للجامع قبة رئيسية يحيط بها أربع قباب، كما حملت القبة بواسطة أربعة أعمدة.

ومن خلال دراسة الجامع، يلاحظ بأنه ثبت على حائطه الشرقي لوحة من الرخام الأبيض عليها ثلاثة أسطر يعلوها العلم العثماني، مؤرخة في محرم 1326هـ- آذار 1908م. وجاء في الأسطر – الشعر:

مسجد أسس بالتقوى وقد
باب خير قلت في جوهره

 

فتحوا باباً به فتح الثواب
للهدى أصبح هذا خير باب

هذا وقد أشارت سجلات المحكمة الشرعية في بيروت إلى مئات الأوقاف المتضمنة أراض ومحلات وبيوت وأحكار وعقارات أخرى، خصصت لجامع السراي لينفق من ريعها على مستلزماته من أئمة وعلماء وخدم وسوى ذلك. وكان متولي أوقاف جامع السراي في العهد العثماني والقائم عليها هو الشيخ عبد الله بن الحاج محمد خرما شقير. أما في التاريخ المعاصر، فقد كان أبرز إمام وخطيب للمسجد، العلامة الشيخ الدكتور محمد علي الزعبي.

أصبح هذا الجامع من الأبنية الأثرية بموجب المرسوم الجمهوري رقم (612) E تاريخ 16 حزيران 1936.

3- جامع الأمير منذر (النوفرة): بناه الأمير منذر بن سليمان التنوخي 1056هـ-1620م والمتوفى عام 1043هـ-1633م في عهد الأمير فخر الدين الثاني المعني. ومن أهم منشآت الأمير منذر – بالإضافة إلى هذا الجامع – القصر الذي أقامه في عبيه عام 1032هـ-1623م.

أطلق على جامع الأمير منذر اسم جامع "النوفرة" لوجود نوفرة في صحنه. وقد أشار الرحالة الشيخ عبد الغني النابلسي إلى بركة مثمنة عند وصفه للجامع خلال زيارته لبيروت عام 1112هـ-1700م. وأشارت سجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة إلى تسمية ثالثة للمسجد الجامع غير شائعة كثيراً، وهو اسم جامع القهوة لوجود قهوة بقربه. وقد جاء في إحدى الوثائق "جامع الأمير منذر المعروف بجامع القهوة العامر بذكر الله تعالى".

يقع جامع الأمير منذر "النوفرة" في باطن بيروت غربي الجامع العمري الكبير، إزاء باب إدريس وسوق الطويلة. له بابان: باب من الجهة الشرقية ويطل على سوق البازركان، وباب ثان من الجهة الغربية ويطل على سوق المنجدين وما يعرف اليوم بشارع البنوك. وكان يوجد عند مدخله سبيل تتدفق منه المياه بواسطة نوفرة مصنوعة من الحجر المرمر، وكان موقعه عند المدخل الشرقي للجامع. بينما يقع الحد الغربي للجامع في المحلة المعروفة بسوق المنجدين أو شارع الأمير فخر الدين.

والحقيقة فإن هذا الجامع – على غرار أكثر الجوامع الإسلامية – دفن فيه بعض الأمراء والقادة. فقد دفن في شمال بابه الأمير منذر التنوخي باني الجامع أثر مقتله خلال مذبحة العام 1633م. غير أن ضريحه هدم حوالي العام 1277هـ-1860م. كما دفن فيه الأمير ملحم حيدر الشهابي عام 1175هـ-1761م–1762م، وشقيقه الأمير منصور حيدر الشهابي عام 1188هـ-1774–1775م. وقد دثرت هذه الأضرحة ولم يعد لها من أثر. كما لم يعد من أثر للسبيل المشار إليه سابقاً، في حين أن النوفرة ما تزال موجودة، كما أقيم مكان الأضرحة حديقة متواضعة المساحة.

ويلاحظ أن في منبر جامع النوفرة العلامة التي استخدمها الأمير منذر في أثناء حكمه، وهي عبارة "الله حق ما في شك". ولا بد من الإشارة إلى أن الأمير منذر قد اتخذ سكناً شتوياً له يتكون من طابقين ملاصقاً للحد الجنوبي الشرقي للجامع.

ومن خلال مطالعتنا عام 1983 لسجلات المحكمة الشرعية في بيروت المحروسة لا سيما السجل 1259هـ-1843م، تبين لنا بأنه كان لهذا الجامع المئات من الأوقاف المتضمنة: الدور والمحلات والأراضي والأحكار، لينفق ريعها على وجوه الجامع. وقد تبين بأن متولي أوقاف جامع النوفرة كان الحاج سعيد بن الشيخ حسن الداعوق. وكان إمام الجامع – المسجد وخطيبه الشيخ محي الدين بن الشيخ أحمد طبارة، ثم من بعده ابنه الشيخ عبد الله طبارة. أما المؤذن فقد كان السيد محمد بن علي الجمال البيروتي، ثم من بعده السيد محمد إدريس، ثم أذن في المسجد محي الدين صبرا، ثم الشيخ عبد الله بن الشيخ مصطفى الرفاعي، ثم من بعده محمد مصباح ابن محمد الجمال البيروتي.

4- جامع المجيدية: كان هذا الجامع أصلاً زاوية دينية تعرف باسم "زاوية الشيخ محمد الشويخ" وبقربها قلعة من قلاع بيروت البحرية، وبرجاً مهماً من أبراجها. وكانت هذه القلعة مشرفة على البحر وملاصقة له في باطن بيروت في محلة ميناء الخشب. وقد استخدمت الأماكن الأرضية للقلعة مخازن للتجار، لا سيما تجار الخشب. ويتصل هذا المسجد بنهاية سوق الطويلة المعروفة، بينما مدخله الرئيسي اليوم هو الباب الشمالي المطل على الشارع الجديد (أنظر: زاوية الشيخ محمد الشويخ).

أطلق على تلك الزاوية بعد تحويلها إلى مسجد اسم جامع المجيدية أو الجامع المجيدي نسبة للسلطان عبد المجيد (1839–1861م) الذي تحول في عهده من زاوية الشويخ إلى جامع، حيث دفعت الحمية المسلمين في بيروت، فارتأووا تعمير هذه الزاوية وتحويلها إلى المسجد، بمعية السلطان عبد المجيد، فجمعوا المال وعمروا القسم الغربي، وذلك بين 1257-1260هـ وقد سمي منذ عام 1260هـ-1844م "الجامع المجيدي". ثم جدد له بناء الصحن والسقف، وفتح له باب يطل على جادة المرفأ، يصل المسجد بسلم حجري صخري، وهو مشرف أيضاً على البحر.

أضيف إلى هذا المسجد بعض الإضافات في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، والذي جدد بناءه عام 1323هـ-1906م. على بابه القبلي (الجنوبي) ثبتت رخامة عليها العبارة التالية: "بسم الله الرحمن الرحيم – جامع المجيدية سنة 1187هجرية، وتجدد في عهد المغفور له السلطان عبد المجيد العثماني سنة 1257هجرية (1841م)".

في العام 1840م أطلقت الأساطيل الأوروبية المتحالفة: البريطانية، الروسية، النمساوية مدافعها على سور هذه القلعة قبل أن يتحول إلى جامع، وذلك عند حصار هذه الأساطيل لبيروت إبان حربها ضد الجيش المصري. وكانت آثار هذا القصف في أوائل القرن العشرين ظاهرة في الجدار الشمالي.

أوقف المسلمون في بيروت على هذا المسجد الكثير من الأوقاف، وكان متولي أوقافه الحاج عبد القادر بن مصطفى العيتاني، ثم من بعده الحاج أحمد بن عبد القادر العيتاني. وقد توارث آل العيتاني جيل بعد جيل الإشراف عليه. وكان السيد عبد الله أحمد العيتاني مشرفاً عليه في سنوات ما قبل أحداث لبنان عام 1975م. أما خطيب المسجد في القرن التاسع عشر الميلادي فقد كان الشيخ العلامة عبد الرحمن بن محمد الحوت البيروتي. تم ترميمه بعد الحرب الأهلية، وأضيف إليه مئذنة عثمانية ثانية. ارتبط اسم المسجد في النصف الثاني من القرن العشرين، باسم العلامة الشيخ فهيم أبو عبيه رئيس البعثة الأزهرية في لبنان.

وأثناء الحفر والترميم وإجراء التعديلات، عثر في الجهة الشرقية من المسجد على قبور كثيرة لآل الفاخوري ولآل العيتاني، وللقيمين على الزاوية وعلى المسجد فيما بعد طيلة سنوات طويلة، لذلك صدرت الفتوى الشرعية من سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني، بجمع رفات تلك القبور، ووضعها في قبور قليلة العدد في الجهة الغربية من المسجد، لأن المساحة تضيق بإعادة جميع القبور كما كانت، علماً أن غالبية المدفونين في القبور المهدمة لم تكن معروفة الاسم بسبب تعرضها للهدم خلال أعوام 1975-1990، وكنت في إعداد اللجنة المشرفة على وضع المسجد أثناء الترميم.

5- جامع الدباغة:من الملاحظ أن جامع الدباغة عرف في بيروت باسم الجامع العمري الشريف. وهو غير الجامع العمري الكبير، وقد أشار الشيخ الرحالة عبد الغني النابلسي، بأنه سمي بهذا الاسم لأنه بني زمن الخليفة عمر بن الخطاب t. كما أطلق عليه اسم جامع البحر لقربه من البحر. أما تسميته باسم جامع الدباغة فلقربه من محلة الدباغة التي كانت تدبغ فيها الجلود ومشتقاته.

موقع هذا الجامع في الجهة الشرقية لميناء بيروت أمام باب الدباغة. وهو جامع مرتفع عن الأرض يصعد إليه بدرج وتحته عدة مخازن. وهو قديم البناء أنشىء عام 693هـ-1294م. وقيل 743هـ-1343م.

جدد ورمم سنة 1879 بواسطة مدير أوقاف بيروت عثمان أفندي الحجة. وجعل على ساريات مبنية من الحجر فجاء على غاية من الاتقان. قامت بلدية بيروت في عهد الانتداب الفرنسي بهدمه بداعي توسيع الطرقات، ثم ما لبث أن أعيد بناؤه عام 1932 وقد أطلق عليه منذ ذلك التاريخ اسم جامع أبو بكر الصديق.

وكان يوجد أمام جامع وباب الدباغة دار على جانب البحر للأمير ناصر الدين الحسين بن خضر التنوخي المتوفى (751هـ-1350م). وقد عمر طباقاً فوق الأقبية وأدار عليها سوراً وتملك الزقاق المعروف بزقاق الخيالة، وهو من باب الدار جنوباً إلى قرب الحمام على الجانبين. وقد ظهرت آثار هذا الدار عام 1284هـ-1867م عند باب الدباغة شرقي الجامع، لما عمر هناك أحمد حمزة سنو وشريكه الياس سلوم الخان المعروف باسمهما خان حمزة وسلوم.

كان لجامع الدباغة العشرات من العقارات الوقفية حسبما جاء في سجلات المحكمة الشرعية في بيروت، وكان متولي هذه الأوقاف الحاج مصطفى طه كلمني. أما خطيب ومدرس الجامع فقد كان الشيخ علي بن حسن الفاخوري. وكان الإمام في أواخر القرن التاسع عشر الشيخ حسن بن عرابي ناصر البيروتي، ومن بعده ولده الشيخ محمد كمال عرابي ناصر، أما الإمام والخطيب حتى بداية الأحداث اللبنانية عام 1975 فقد كان الشيخ سعدي ياسين. تعرض لأضرار عديدة في سنوات الحرب 1975-1990. لذلك قرر رجل الخير والعطاء السيد شفيق أحمد طبارة ترميمه على نفقته الخاصة وانتهى الترميم عام 1997. افتتحه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني بحضور حشد من الرسميين والمصلين ومعهم السيد شفيق طبارة، وذلك يوم الجمعة 16/4/1999 وألقى خطبة بمناسبة قدوم رأس السنة الهجرية، وهاجم الصرب لهجومهم وطردهم مسلمي كوسوفو. تولى ترميمه المهندس د. سعيد الجزائري. تشرفت بحضور حفل الافتتاح.

6- جامع الأمير شمس الدين:كان موقع هذا الجامع في باطن بيروت في سوق البازركان، وهو جامع من بناء القرون الوسطى. عرف أيضاً باسم زاوية شمس الدين، وكان يوجد بجانب بابه الشرقي قبر الأمير محمد شمس الدين الخطاب المنسوب إليه. ويذكر أن هذا الأمير من جملة من استشهدوا في الحروب الصليبية كما ذكر، وقد كتب بجانب الضريح هذين البيتين:

لشمس الدين مولانا محمد
أمير مات في الدنيا شهيدا

 

كرامات له بالفضل تشهد
وفي هذا الضريح لقد توسد

أطلق على هذا الجامع اسم "الجامع الجديد" استناداً إلى سجل العام 1265-1269هـ من مجموعة سجلات المحكمة الشرعية في بيروت. وقد أطلق عليه هذا الاسم بعد إجراء تغييرات وإدخال تحسينات إليه بواسطة حسن آغا.

أوقف عليه بعض العقارات الوقفية. غير أن هذا الجامع لم يبق قائماً، فهدم عام 1949، ورفعت في مكانه بناية تجارية ثبتت على مدخلها العبارة التالية: "مديرية الأوقاف الإسلامية – بناية وقف جامع شمس الدين". وما تزال هذه البناية قائمة حتى اليوم.

من خطباء هذا الجامع في القرن التاسع عشر الميلادي الشيخ محمد أبو النصر بن الشيخ عمر اليافي المتوفى 1282هـ-1865م، ثم من بعده الشيخ خالد بن الشيخ محمد أبو النصر اليافي. ومن أئمته الشيخ عبد السلام بن الشيخ مصطفى قرنفل، ثم تولاها من بعده الشيخ محمد بن الشيخ عمر البربير.

7- جامع محمد الأمين (r): يعتبر جامع محمد الأمين (r) من أكبر وأحدث الجوامع في باطن بيروت المحروسة، ومن أهم معالمها وملامحها. افتتح في 17 تشرين الثاني عام 2008 برعاية مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني والشيخ سعد الحريري وبحضور مفتي مصر الشيخ الدكتور علي جمعة وحشد من الوزراء والنواب والسفراء والشخصيات. أقيم بهمة وعلى نفقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بالتعاون مع مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني وهيئة أمناء مسجد محمد الأمين (r) برئاسة المهندس أحمد مختار خالد، بينما كنت نائباً للرئيس.

وهو يتسع لحوالي ستة آلاف مصلٍ، روعي في هندسته الطراز المعماري والهندسي العثماني. وكان هذا المسجد – الجامع في العهد العثماني زاوية من زوايا بيروت المحروسة عرفت باسم زاوية أبو النصر اليافي (أنظر زاوية أبو النصر). وكان المسلمون ينتظرون تحقيق هذا الحلم – المعجزة منذ أكثر من خمسين عاماً إلى أن تم تحقيق هذا الحلم عندما تبنى الرئيس الشهيد جميع تكاليف هذا المشروع العملاق، (للمزيد من التفصيل أنظر دراستي عن جامع محمد الأمين المنشورة في صحيفة اللواء في 17/11/2008). تشرفت بحضور حفل الافتتاح.

هذه نبذة عن بعض المساجد الموجودة في باطن بيروت منذ العهود الإسلامية الأولى إلى العهد العثماني. وقد وجدت مساجد أخرى في مناطق بيروتية أخرى، ومن هذه المساجد: مسجد البسطة التحتا، مسجد البسطة الفوقا، مسجد المصيطبة، مسجد برج أبي حيدر، مسجد رأس النبع، مسجد الصيداني في رأس النبع، مسجد علم الشرق – الأشرفية، مسجد البرجاوني، مسجد الحرج (الحلبوني وحوري)، مسجد الإمام علي (كرم الله وجهه) في الطريق الجديدة، جامع رمل الزيدانية (الفاروق)، جامع القصار، جامع عائشة بكار، جامع محمد الأمين، جامع زقاق البلاط، جامع عين المريسة، جامع الحمراء، جامع الحسنين (الأشرفية)، جامع قريطم، جامع مكاوي (شارع حمد)، جامع شاتيلا، جامع شهاب، جامع الداعوق، جامع الخلية السعودية، جامع خالد بن الوليد – الكرنتينا جامع الخضر عليه السلام، جامع ومقام الإمام الأوزاعي، جامع الشهداء، جامع الخاشقجي، جامع الحوري، جامع عماش، جامع جمال عبد الناصر، جامع الدنا، جامع السلام، جامع محمد الفاتح، جامع سيدنا حمزة (الكولا)، وسواها من مساجد. ومن بين المساجد الأخيرة ما هو مستحدث بعد العهد العثماني، وبعضها أقيم منذ سنوات قليلة.