booked.net

3-الجذور المغربية والمشرقية للعائلات البيروتية

الجذور المغربية (الشامية) للعائلات البيروتية
بقلم : المؤرخ الدكتور حسان حلاق 

1- تحديد مفهوم ومصطلح المغرب العربي:
قبل أن نتحدث عن الهجرة المغاربية إلى بيروت وبلاد الشام ينبغي أن نحدد مفهوم ومصطلح المغرب العربي. فقد اختلف بعض المؤرخين والجغرافيين العرب في تحديد مفهوم وجغرافية المغرب العربي فمنهم من رأى:
1- إن المغرب العربي يضم بلدان شمالي أفريقيا وهي اليوم: المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا.
2- إن المغرب العربي يضم بلدان شمالي أفريقيا والأندلس (إسبانيا الإسلامية) وموريتانيا(  ابن جبير، ص 214-215).
3- إن المؤرخ الأندلسي ابن سعيد المغربي والمؤرخ ابن عذاري يضمان إلى بلدان المغرب العربي والأندلس مصر أيضاً باعتبارها القاعدة العسكرية والحضارية للمنطقة الغربية.
والأمر اللافت للنظر أن مدلول المغرب زاد اتساعاً في زمن العباسيين، فصارت الشام ضمن المغرب. وقد أورد المسعودي أن العباسيين قسموا مملكتهم إلى قسمين هما: المغرب ويشمل الشام ومصر وأفريقية وما يليها غرباً، والمشرق ويشمل بلاد فارس وما يليها شرقاً. وعلى هذه الأسباب قسم هارون الرشيد مملكته على أبنائه الأمين والمأمون والمؤتمن. غير أن جمهرة المؤرخين والجغرافيين عادوا واتفقوا على جغرافية ومدلول لفظ المغرب العربي على أنه شمالي أفريقيا والأندلس وبالتحديد:
1- المغرب الأدنى؛ أي تونس والأجزاء الشرقية من الجزائر، وكانت عاصمته القيروان زمن الأغالبة.
2- المغرب الأوسط؛ أي بلاد الجزائر وكانت عاصمته تاهرت في عهد الدولة الأباضية.
3- المغرب الأقصى؛ أي المغرب وعاصمته بين مدينتي فاس ومراكش (أي: الحمراء).
2- فتوحات العرب للمغرب العربي:
بدأت الفتوحات العربية الإسلامية بشكل حاسم في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وعهد بالأمر إلى قائده معاوية ابن حديج الكندي عام (45هـ) على رأس القبائل والجيوش العربية الشامية. فتقدم ابن حديج بجيوشه، واتخذ القيروان في تونس معسكراً ثابتاً. ومن هناك أخذ يوجه السرايا إلى مراكز البيزنطيين، منها: سرية القائد عبد الله بن الزبير، وسرية الأمير عبد الملك بن مروان (الخليفة فيما بعد)، وبعد أن عزل معاوية بن حديج سنة (50هـ)، توالت الفتوحات في عهد عقبة بن نافع (50 - 55هـ) (670 - 675هـ). وكان دخل برقة مع ابن خالته عمرو بن العاص سنة (23هـ)، وشارك عمرو في الحملة على طرابلس الغرب. وفي سنة (55هـ) عزل عقبة، غير أن الفتوحات العربية توالت في عهد أبي المهاجر دينار، وبفضله تم فتح الجزائر بالتعاون مع البربر، بعد استشهاد عقبة وأبو المهاجر سنة (64هـ 682م) في معركة تهوده.
وفي هذا الوقت مات الخليفة يزيد بن معاوية، وصار الأمر لعبد الملك بن مروان سنة (65هـ)، وفي عهده أرسل حسان بن النعمان الغساني على رأس أربعين ألف مقاتل، وزوّده بأسطول بحري سنة (73هـ 692م) أو (74هـ 693م) والملاحظ أن من بين هؤلاء الجند جند من الشام ومصر معاً.
لقد حقق حساناً انتصارات ساحقة بما فيه انتصارات على الكاهنة سنة (75هـ) وقتلها سنة (82هـ) في جبل أوراس، ثم أقام في برقة في ليبيا في منطقة ما تزال تُعرف حتى اليوم بقصور حسان. بنى حسان ميناء تونس وباتت تونس في عهده قاعدة عامة، وزودها بألف أسرة من أقباط مصر الذين كانوا على علم بشؤون بناء السفن والملاحة. ولحسان بن النعمان الفضل في تعريب الدواوين، وتنظيم الخراج، وتوزيع أراضي البيزنطيين على المسلمين، وهو أول من وضع نواة الأسطول الإسلامي المغربي، وأول من أعطى المغرب طابعاً عربياً. وبعد حسان بن النعمان في عهد الوليد بن عبد الملك سنة (86هـ) ولَّى مكانه موسى بن نصير الذي تابع الفتوحات.
والحقيقة، فإن فتح المغرب استغرق (80) عاماً من (23هـ) حتى نهاية القرن الأول الهجري وقد تم تعريب البلاد وأسلمتها، وكان ذلك مقدمة لفتح الأندلس على يد موسى بن نصير وطارق بن زياد.
وفي ضوء هذه الحقائق التاريخية، ندرك بأن القبائل العربية الأولى التي فتحت المغرب هي قبائل عربية بالدرجة الأولى، وشامية ومصرية وعراقية وأردنية بالدرجة الثانية.
3- التبادل الحضاري بين المغرب والأندلس من جهة وبين بلاد الشام من جهة ثانية:
يظن البعض بأن الهجرة المغربية والأندلسية إلى بلاد الشام ومن بينها بيروت قد ابتدأت بعد سقوط الأندلس عام (1492م)، وإن كانت هذه الهجرة قد تزايدت بعد هذا الحدث إلى مصر وبلاد الشام، غير أن هجرة المغاربة مع إخوانهم المشارقة إنما كانت قديمة، وتعود بجذورها إلى القرن الأول الهجري - السابع الميلادي لا سيما بعد استقرار المسلمين في المغرب والأندلس، فقد حدثت موجات من التفاعل والتبادل الحضاري والعلمي والاجتماعي والسياسي والديني بين المغرب والأندلس من جهة، وبين مصر والحجاز والعراق وبلاد الشام من جهة أخرى. ولا نغالي إذا قلنا أن المؤثرات المتبادلة بين الأندلسيين والمغاربة من جهة وبين بلاد الشام من جهة ثانية، ابتدأت منذ أيام الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك (صقر قريش) مؤسس الدولة الأموية في الأندلس. ومما نظمه الأمير عبد الرحمن متشوقاً إلى بلاد الشام مبدياً حنينه إليها:
 
أيها الراكِبُ المُيمّمُ أرضي                                              إن جسمي كما علمتَ بأرضِ
أقر من بعضي السلامُ لبعضي                                         وفؤادي ومالكيهِ بأرضِ

ولما نقل عبد الرحمن الداخل أشجار النخيل من الشام وزرعها في الأندلس، أثار منظر النخيل في نفسه الحنين للشام مجدداً فنظم شعراً بالمناسبة جاء فيه:

تبدت لنا وسطُ الرِّصافةِ نخـــــلةٌ                                      فقلتُ: شبيهي في التغربِ والنـوى
نشأتِ بأرضٍ أنت فيها غريبـــــةٌ                                     تناءت بأرضِ الغربِ عن بلدِ النخــلِ
وطولُ ابتعادي عن بني وعن أهلي                                   فمثلكِ في الإقصاء والمنتأى مثلي

ونظراً لأهمية المؤثرات الشامية في الأندلس والمغرب، باتت العديد من الملامح فيهما تتشابه مع الملامح الشامية. ومن هنا قول الجغرافيين العرب: بأن الأندلس شامية في هوائها وشامية في حياتها. وبهذا يقول المقري في "فتح الطيب": "الأندلس شامية في طيبها وهوائها وشامية في حياتها، يمنية في اعتدالها واستوائها". ويذكر الأمير شكيب أرسلان في كتابه "الحلل السندسية في الأخبار والآثار الأندلسية" ج1 نقلاً عن "الشقندي":
"غرناطة، دمشق بلاد الأندلس ومسرح الأبصار، ومطمع الأنفس... وغرناطة من أحسن بلاد الأندلس وتسمى بدمشق الأندلس؛ لأنها أشبه شيء بها... ونزل بها أهل دمشق لما جاءوا إلى الأندلس لأجل الشبه المذكور".
ومن المؤثرات الشامية واضحة الملامح في المغرب والأندلس المؤثرات الدينية، فقد رحل إليها العديد من العلماء في مقدمتهم فقيه أهل الشام صالح الخضر، وشيخ العرب الشاميين القاضي مصعب بن عمران الحمداني، والقاضي معاوية بن طليح وسواهم الكثير. غير أن أهم أثر ديني انتقل من بلاد الشام إلى المغرب والأندلس هو مذهب الإمام الأوزاعي إمام أهل بيروت والشام والمغرب والأندلس المتوفى سنة (157هـ 774م) وكان الإمام الأوزاعي من المجاهدين المرابطين في بيروت المحروسة ضد البيزنطيين. ولهذا اهتم مذهبه بالتشريعات الجهادية وأحكام الحرب والجهاد. وهذه التشريعات - لا سيما في المراحل الأولى - كانت تناسب وضع المغاربة والأندلسيين.
ويذكر ابن حزم بأن أول من نقل مذهب الإمام الأوزاعي إلى المغرب والأندلس هو الفقيه صعصعة بن سلام الشامي الأندلسي، وذلك سنة (150هـ). كما رحل من المغرب والأندلس في فترات لاحقة الكثير من طلاب العلم والفقهاء، قاصدين بلاد الشام منهم: الفقيه محمد بن وضاح بن بزيبع المتوفى سنة (186هـ)، والذي طوّف في المغرب ودمشق والمدينة المنورة، ثم عاد إلى الأندلس وحدّث فيها.

4- الإسهامات الجهادية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمغاربة في بيروت وبلاد الشام:
تؤكد المصادر التاريخية العربية والأجنبية على هجرة مغاربية مبكرة إلى بلاد الشام، وهذه الهجرة لم تكن لأسباب علمية فحسب، وإنما لأسباب جهادية ولمشاركة المسلمين في الدفاع عن الثغور الإسلامية، وقد اشتهر عن المغاربة التديُّن وحب الجهاد وطلب العلم.
ومما يؤكد ذلك ما أشار إليه الرحالة الكناني الأندلسي البلنسي ابن جبير في كتابه "تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار" سنة (583هـ 1187م) عندما زار بلاد الشام والمنطقة في فترة الحروب الصليبية، فقد أشار إلى مسألتين أساسيتين تتعلق بالمغاربة ودورهم في بلاد الشام:

المسألة الأولى:
إسهام المغاربة بشكل أساسي وبارز في الجهاد والدفاع عن بلاد الشام ومنها بيروت، لا سيما في فترة الحروب الصليبية (1098 - 1291م) فقد أكّد على وجود آلاف المغاربة في بلاد الشام للمشاركة في الجهاد ضد الإفرنج، لهذا وقع العديد منهم أسرى، وقد حرص السلاطين والأمراء والتجار المسلمين على فك أسرهم نظراً لما يقدمونه من تضحيات، وقد قدموا من بلادهم خصيصاً لغاية نبيلة وشريفة. بل لم يتردد بعض المسلمين من أن يوصوا وصايا مالية تخصص لهؤلاء الأسرى المغاربة. ومما أشار إليه ابن جبير ما نصه: "ومن جميل صنع الله تعالى لأسرى المغاربة بهذه البلاد الشامية الإفرنجية، أن كل من يخرج من ماله وصية من المسلمين بهذه الجهات الشامية وسواها، إنما يعينها في افتكاك المغاربة خاصة لبعدهم عن بلادهم، وأنهم لا مخلص لهم سوى ذلك بعد الله عزّ وجل، فهم الغرباء المنقطعون عن بلادهم. فملوك المسلمين أهل هذه الجهات من المسلمين، والخواتين من النساء، وأهل اليسار والثراء إنما ينفقون أموالهم في هذه السبيل".
وعن دور السلطان نور الدين زنكي في هذا المجال، قال ابن جبير: "وقد كان نور الدين رحمه الله نذر في مرضة أصابته، تفريق اثني عشر ألف دينار في فداء أسرى من المغاربة، فلما استبل من مرضه أرسل في فدائهم، فسيق فيهم نفر ليسوا من المغاربة - وكانوا من جملة عمالته - فأمر بصرفهم وإخراج عوض منهم من المغاربة. وقال: هؤلاء يفكهم أهلوهم وجيرانهم، والمغاربة غرباء لا أهل لهم. فانظر إلى لطيف صنع الله تعالى لهذا الصنف المغربي".
وحول دور التجار المسلمين في فك أسرى المغاربة، أشار ابن جبير إلى أنه "قيض الله لهم بدمشق رجلين من مياسر التجارة وكبرائهم وأغنيائهم المنغمسين في الثراء: أحدهم يعرف بنصر بن قوام، والثاني بأبي الدر ياقوت مولى العطافي،... وقدرهما عند أمراء المسلمين والإفرنجيين خطير، وقد نصبهما الله عزّ وجل لافتكاك الأسرى المغربيين بأموالهم وأموال ذوي الوصايا؛ لأنهما المقصودان بها، لما قد اشتهر من أمانتهما وثقتهما وبذلهما أموالهما في هذا السبيل. فلا يكاد مغربي يخلص من الأسرإلاّ على أيديهما..." ( ابن جبير، ص 200).

المسألة الثانية:
رغبة المغاربة في طلب العلم، لهذا قدموا إلى بيروت وبلاد الشام ومصر. وقد دعا ابن جبير الشبان المغاربة القدوم إلى بلاد الشام طلباً للمعرفة والعلم. ومما جاء في دعوته: "فمن شاء الفلاح من نشأة مغربنا، فليرحل إلى هذه البلاد، ويتغرب في طلب العلم، فيجد الأمور العينات كثيرة: فأولها فراغ البال من أمر المعيشة - وهو أكبر الأعوان وأهمها - فإذا كانت الهمة، فقد وجد السبيل إلى الاجتهاد، ولا عذر للمقصر إلاّ من يدين بالعجز والتسويف، فذلك من لا يتوجه هذا الخطاب عليه، وإنما المخاطب كل ذي همة يحول طلب المعيشة بينه وبين مقصده في وطنه من الطلب العلمي. فهذا المشرق بابه مفتوح لذلك، فادخل أيها المجتهد بسلام، وتغنم الفراغ والانفراد قبل علق الأهل والأولاد، ويقرع من الندم على زمن التصنييع..." ( في القرن السادس الهجري هاجر من المغرب إلى موريتانيا قبائل من عرب بني هلال وهم بنو حسان الذين عربوا تلك المنطقة بلهجتهم التي ما زالت موضع دراسة المستشرقين وعلماء اللغة).
من هنا ندرك لماذا يتباهي البيروتي بأنه من أصل مغاربي، وذلك لسببين رئيسيين: إسهامه في الجهاد وطلب العلم الشريف. هذا وقد استمرت الهجرة المغاربية إلى بيروت وبلاد الشام في العهدين المملوكي والعثماني، فضلاً عن موجات مغاربية واضحة المعالم في القرن العشرين لا سيما بين الحربين العالميتين (1918 - 1945م)، خاصة مع الفرق الفرنسية القادمة إلى البلاد السورية.

5- الموجات المغربية والأندلسية:
كانت مواسم الحج والعمرة، والرحلة في طلب العلم والجهاد، من العوامل الرئيسية التي دعت المغاربة والأندلسيين للتوجه إلى بيروت وبلاد الشام، وذلك منذ القرن الأول الهجري - السابع الميلادي. وقد أدى التفاعل والتمازج بين الشوام من جهة والمغاربة والأندلسيين من جهة ثانية إلى بروز شعب موحد الخصائص عبر مئات السنين. كما سبق وذكرنا وشهدت بلاد الشام استمرار الموجات المغربية والأندلسية في العصور الوسطى لا سيما في فترة الحروب الصليبية حيث أسهم المغاربة إسهاماً واضحاَ في ميادين الجهاد والرباط دفاعاً عن بيروت وبلاد الشام. كما شهدت بلاد الشام ومصر هجرات متوالية بعد سقوط الأندلس بيد الإسبان عام (1492م).
ومن بين تلك الأسر والقبائل المغربية ذات الأصول العربية والتي توطنت بيروت على سبيل المثال لا الحصر:
الأبيض، إدريس، الأنسي (السجعان)، تنير، بدر، بني (البنا) نسبة إلى مدينة بنيه الجزائرية، برغوت (نسبة لقبائل برغوطة في الرباط، توطنت في بيروت والقلمون)، بكداش العدو (نسبة لعدوة المغرب، وبكداش نسبة للطريقة البكتاشية)، بعيون، بيضون، جبر، جدايل، جلول (من جلولاء المغربية)، الجزائري (بوعزة الجزائري، القاضي الجزائري...)، جنون، الحريري، الحشاش، حلاق (السيد الحلاق)، الحمراء، حمزة، الحكيم، حمود، خالد (نسبة لخالد بن الوليد)، دارغوث المغربي، الداعوق، الدنا، داية، دية، رمضان، زنتوت (الصاوي)، زيدان، سراج، سعادة، سلام، السوسي، سنو، سوبره، شاتيلا (شاتيلا الحموي)، شقير، خرما شقير، شبارو، شهاب الدين العربي، صبرة (نسبة إلى منطقة صبرة الساحلية المغربية)، طبارة، طيارة، العريس، العريسي (من منطقة الزاوية في ليبيا)، علايا، علايلي، عزو، العزوزي العربي، عَضَاضَة، عنّان، العويني، العيتاني (بيهم، الحص، العيتاني)، عيدو، عبيدو، غندور (فتح الله الشيخ غندور)، قاسم، قباني، قدورة، قيسي، كنيعو، الكوش، اللبان، الداعوق (القاضي الداعوق)، محيو، محيو الغلايني الترك، المجذوب، المدور، مغربي، منيمنة، منيمنة المغربل، ناصر، ناصر زنتوت، النحاس، نوار، الهبري، الهواري، ياسين (دياب ياسين، دياب الإدلبي)، يموت وسواها من العائلات المغربية التي سيرد ذكرها مع العائلات المشرقية فيما بعد.

6- نماذج من الملامح والإنجازات المغاربية في بيروت:
إن إسهامات المغاربة أكثر من أن تُحصى في بيروت، لا سيما وأن عدداً كبيراً من العائلات البيروتية هي في جذورها من أصول مغاربية. وقد أسهمت هذه العائلات مع عائلات بيروتية بالوصول ببيروت إلى ما وصلت إليه كمدينة عربية، وكعاصمة لبنانية، وكمركز من أهم المراكز والمدن الحضارية والثقافية والعلمية.ومن بين الملامح والإنجازات المغاربية في بيروت إقامة المؤسسات الاقتصادية والعلمية والدينية والاجتماعية والإنسانية والعمرانية وسواها، منها على سبيل المثال:

1- الإسهام في توسعة وترميم المساجد في بيروت، أو في إقامتها بعد استقرارهم وتحسن أوضاعهم الاقتصادية والمالية، لا سيما المساجد في باطن بيروت وفي بعض أحياء المدينة، وما تزال هذه الإسهامات مستمرة حتى الآن.
2- إقامة الزوايا الإسلامية منها زاوية الحمراء في باطن بيروت التي أقامها آل الحمراء (حوالي 1390م)، وزاوية الخلع المعروفة باسم زاوية البياطرة، وقد أقامها بعض المغاربة في أوائل القرن العاشر الهجري - السادس عشر الميلادي، وزاوية الشيخ حسن الراعي المغربي، وهو من كبار العلماء المسلمين في القرن السادس الهجري - الثاني عشر الميلادي. ويروي الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه "الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز" والذي زار بيروت عام (1711م)، بأنه زار قبر الشيخ جبارة في مقبرة بيروت إزاء البحر، وهو من أولاد الشيخ حسن الراعي. ويرجح أن آل جبارة (شبارة، شبارو) تنسب إلى هذا العالم المغربي الجليل، كما بنى المغاربة بواسطة أحد أتقيائهم زاوية القطن في العصور الوسطى (حوالي سنة 1390م).
كما أقام المغاربة زاوية باب المصلى قرب باب السراي، وزاوية أخرى عرفت باسم زاوية المغاربة أنشأها أحد أتقياء المغاربة في العصور الوسطى هو الشيخ محمد المغربي، وكان موقعها قبلي جامع السراي قرب سوق سرسق.
3- الأبراج العسكرية وأبواب بيروت ومناطقها: أسهم المغاربة وبقية أهل بيروت بإقامة العديد من المؤسسات العسكرية أو المدنية، ومن بينها الأبراج العسكرية أو المدنية منها: برج حمود في شرقي بيروت، وبرج بيهم، وبرج سلام، وبرج شاتيلا، وبرج الخضر، وبرج المدور، وبرج قدورة، وبرج الحمراء، وبرج اللبان، وسواها من الأبراج.
ومن أهم أبواب بيروت التي سميت باسم إحدى العائلات البيروتية المغربية الأصل: باب إدريس وهو أحد أبواب بيروت السبعة( استناداً إلى التقليد المتبع في بيروت والمدن الإسلامية، فقد كانت العائلات البيروتية مسؤولة عن حماية أبواب بيروت السبعة. وكان يتم التداول في حمايتها بين العائلات البيروتية المرابطة. ومن هنا افتخار البيارتة أنهم من العائلات السبع، علماً أن حماية الأبواب لم تكن تقتصر على سبع عائلات محددة فحسب، بل كانت الحماية مداورة. وعلى سبيل المثال ففي بعض السنوات كانت حماية باب السراي من مسؤولية آل خالد حيث كانت إقامة العلامة الشيخ السيد عبد الله خالد بالقرب منه، كما كانت حماية بوابة يعقوب من مسؤولية آل دية الجندي في فترة من الفترات). ومن أهم المناطق الذي أسهم المغاربة بتأسيسها هي منطقة الحمراء التي ما تزال حتى اليوم من المناطق الأساسية في بيروت ولبنان.
4- الجبانات: نظراً لكثرة المغاربة في بيروت، ونظراً لخصوصيتهم طيلة قرون عديدة فقد أقاموا لأنفسهم جبانات خاصة بموتاهم خارج سور بيروت، يأتي في مقدمتها جبابة المغاربة وهي بالقرب من جبانات المصلى، الخارجة، الغرباء، وفي القرن العشرين أقامت فرنسا جبانة خاصة بالجنود المغاربة العاملين في قواتها العسكرية، وذلك في منطقة قصقص في الطريق الجديدة وهي إحدى أهم المناطق البيروتية. وما تزال هذه الجبانة التذكارية قائمة حتى اليوم بالقرب من جبانة الشهداء.
5- الأسواق التجارية: أسهم المغاربة في تطور الأسواق التجارية والحرفية في باطن بيروت، منها: سوق العطارين، سوق القطن، سوق النقاشين، سوق الخياطين، سوق النحاسين، سوق الصاغة، وسواها. كما جلبوا من بلادهم بعض الأشتال والمزروعات والفواكه المغربية لزراعتها في بيروت وبلاد الشام منها الليمون المغربي.
6- المدارس والمعاهد والجمعيات: أسهمت العائلات المغربية في إقامة العديد من الكتاتيب والزوايا العلمية والمعاهد والجمعيات في باطن بيروت وفي ضواحيها. ومن يطلع على وظيفة الزاوية يدرك أهميتها الدينية والتعليمية. ومن يطلع على أسماء العائلات التي أسهمت بتأسيس أهم جمعية بيروتية تعليمية أعني بها جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية يدرك الصفة والأصول المغاربية لتلك العائلات. فضلاً عن إسهامها في إقامة البيمارستانات والصيدليات لا سيما في القرن التاسع عشر في العهد العثماني.