اللهجة البيروتية لهجة عربية
بقلم : المؤرخ الدكتور حسان حلاق
نلاحظ أن اللهجة البيروتية هي لهجة عربية أصيلة مستمدة من اللهجات العربية السبع، ما تزال ملامحها وصفاتها متجذرة حتى اليوم في المجتمع البيروتي، ويلاحظ أن اللهجات المغاربية تبرز بين الحين والآخر في اللهجة البيروتية لا سيما اللهجة التونسية، ولهجة الشلوح سكان بلاد السوس وجبال أطلس الكبير في المغرب الأقصى، ولهجة تمازرت وهي لهجة سكان الأطلس المتوسط، واللهجة الزناتية لهجة سكان جبال الريف في الشمال، فضلاً عن لهجات الجزائر وليبيا. علماً أن الكثير من ملامح اللهجة البيروتية بدأت تزول بسبب "التفرنج" في الكلام، ومع اقتحام العادات والتقاليد الغربية المنازل والشوارع والأسواق والمدارس والجامعات، وأجهزة الإعلام المتنوعة.
ومن سمات لهجة العائلات البيروتية على سبيل المثال لا الحصر: تحويل السين صاداً (س = ص) مثل كلمات: السور حيث لفظها البيروتي الصور، ومثل: البسطة = البصطة، السمطية = الصمطية، وفي القرآن الكريم: والله يقبض ويبسط = يبصط، في الخلق بسطة = بصطة، المسيطرون = المصيطرون، كما تظهر في كلمات مثل: السلح = الصلح، سقر = صقر، بالإضافة إلى أن البيارتة يحولون الجيم إلى شين (ج = ش) مثال ذلك: الحرج = الحرش، اجتماع = اشتماع، جبارة = شبارة ثم تحولت إلى شبارو، فضلاً عن أن اللهجة الخليجية التي انتقلت مع الفتوحات إلى المغرب العربي ثم ارتدت مجدداً إلى المشرق تظهر واضحة في أسماء عائلات بيضون؛ أي: با يضون، وبعيون؛ أي: أبو العيون. وما يزال في السعودية والخليج تظهر حتى الآن كلمات مثل: با مسعود، با محمد.، با أحمد...
ومهما يكن من أمر، فإنه يكفي أهل بيروت المحروسة فخراً أنهم استطاعوا الحفاظ على بيروت مدينة عربية، بعد أن كانت ردحاً من الزمن يونانية أو رومانية أو بيزنطية أو إفرنجية أو عثمانية، كما أفشلوا مخططات "فرنستها" في التاريخ الحديث والمعاصر.
ولا بد من الإشارة إلى أن عدد سكان بيروت تطور تطوراً بارزاً عبر العصور مما يدل على التطور السكاني، ومما يدل أيضاً على التنوع السكاني الذي أصاب المدينة نتيجة للهجرة والنزوح معاً. والحقيقة فإن حديثنا عن الجذور التاريخية للعائلات البيروتية لا بد من أن يقودنا إلى تصحيح بعض المفاهيم عن أصول هذه العائلات. فالمفاهيم والنظريات السائدة والخاطئة في بيروت تشير إلى أن معظم البيارتة من أصول مغربية، (المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا). والصحيح أن بعض العائلات المغربية - البيروتية هي شامية الأصل، وتعتبر في الوقت نفسه من أهم العائلات البيروتية لما قامت به من دور بارز في بيروت في الميادين الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. ويمكن القول أيضاً أن بعض هذه العائلات المغربية هي أقدم العائلات التي توطنت في بيروت؛ لأن هجرتها الواضحة إلى المدينة بدأت بعض الشيء في العهد الأموي ثم في العصور الوسطى في فترة الحروب الصليبية، ثم مع سقوط الأندلس عام (1492م)، كما توالت الهجرات المغربية عبر سنوات طويلة فيما بعد إلى بيروت ومختلف بلاد الشام إلى نهاية الحكم الفرنسي عام (1946م).
وفي الوقت الذي شهدت بيروت هجرة المغاربة إليها، كانت تقطنها عائلات تعود بجذورها إلى القبائل العربية سواء التي توطنتها قبل الإسلام أو مع الفتح العربي والإسلامي. ومن هنا يمكن أن ندرس الجذور التاريخية للعائلات البيروتية، مع إعطاء نماذج وأمثلة هي على سبيل المثال لا الحصر:
الموجات العربية الأولى:
شهدت بيروت المحروسة مع بداية الفتح العربي قدوم العديد من العناصر العسكرية والمدنية التي تنتمي إلى قبائل عربية، وقد توطنت في بيروت، ومنها من حافظت على أسماء قبائلها، في حين أن البعض الآخر اتخذ أسماء جديدة هي عبارة عن ألقاب وصفات ومِهَن، ومن تلك القبائل والعائلات على سبيل المثال: الأمد، بكار، البواب (من بني حزم)، تميم، حرب، زيدان، سلام، صقر، العرب (دياب العرب، زنهور العرب، بدوي العرب، شهاب الدين العربي...، الفحل، مخزومي، شهاب، ربعة، زين، فريحة وهي قبيلة عربية أصيلة من بني غسان، قيسي، المكحول، كريمة، علوان، عبلا، قاسم، الوزان، قدورة، شبيب، شعيب، نعمان، نعماني، النقيب، الصباغ، عمران، زريق أو الزريقي، هاشم، وسواها.
ومن بين العلماء العرب المسلمين الذين عرفتهم بيروت باسم "البيروتي" منذ العهود العربية الأولى منهم على سبيل المثال:إبراهيم بن إسماعيل البيروتي، إبراهيم بن يحيى البيروتي، أحمد بن العباس بن الوليد العذري البيروتي، أحمد بن محمد بن مكحول البيروتي، إسماعيل بن زياد القاضي البيروتي، سالم بن المنذر البيروتي، سليمان بن أبي كريمة البيروتي، أبو محمد القرشي شعيب البيروتي، عبد الحميد بن بكار البيروتي، عبد الغفار بن عفان البيروتي، عبد الله بن شبيب البيروتي، عمر ابن أحمد بن الأسد البيروتي، موسى بن عبد الرحمن الصباغ البيروتي، يزيد بن عبد الله بن صالح البيروتي...