booked.net

الأفران في بيروت العثمانية – البساتين والجنائن الآبار والبحيرات والبرك – القشلة العسكرية – الجبانات والمقابر

الأفران في بيروت العثمانية – البساتين والجنائن

الآبار والبحيرات والبرك – القشلة العسكرية – الجبانات والمقابر

 

شهدت بيروت العثمانية الكثير من الملامح الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية، وكانت هذه الملامح تتطور كلما تطورت بيروت وكلما كثر سكانها. ومن هنا كانت احتياجات السكان إلى المؤسسات والمنشآت اللازمة، ندرس من هذه الملامح، على سبيل المثال الملامح التالية:

الأفران: من بين هذه الأفران، فرن التويني في الحارة المسماة حارة النصارى، فرن جامع السرايا في منطقة السرايا قرب جامع الأمير عساف، فرن محمد حاسبيني في حي القنطاري خارج السور، فرن الحشاش الموجود فوق ساحة السمك بالقرب من درب الطويلة (سوق الطويلة فيما بعد)، فرن الحمام الفوقاني قرب زاوية المجذوب، أي بمحاذاة المجلس النيابي في باطن بيروت، فرن علي وهبي الكائن في زاروب العجان عند قهوة المعلقة في باطن بيروت، وقد وجدت في بيروت وخارج سورها بعض الأفران الأخرى لتلبية متطلبات المجتمع البيروتي.

وكانت العادات المتبعة في بيروت العثمانية – بل وإلى سنوات مضت – أن يرسل البيارتة عجين خبزهم إلى الأفران، حيث كانت النسوة تعجن يومياً أو يوماً بعد يوم في المنزل، وكانت تعد الأرغفة "بالزوج" فيقال لصانع الفران أن هذا الوعاء – الصدر – فيه 20 زوجاً أو أقل أو أكثر حسب كبر العائلة أو صغرها. وكانت أفران بيروت تزدحم ازدحاماً شديداً في رمضان الكريم، وفي المناسبات الدينية كعيدي الفطر السعيد وعيد الأضحى، وذكرى المولد النبوي الشريف، حيث تزدهر صناعة المعجنات كالمعمول بالجوز، والمعمول بالتمر والمعمول بالفستق الحلبي والبقلاوة وسوى ذلك من مأكولات وحلويات.

البساتين والجنائن والعود والمزارع:

كان النمط المعماري في بيروت المحروسة نمطاً بسيطاً في بنائه وتكوينه، غير أن البيارتة حرصوا في أكثر بيوتهم على إيجاد جنائن لها، يزرعون بعض الأشجار المثمرة أو بعض الورود والرياحين. كما حددت حدود المنازل مع الجيران بواسطة الأشجار كالمقساس والصبار (الصبير)، بالإضافة إلى أن بيروت كانت في جذورها منطقة زراعية فيها العديد من البساتين الزراعية والمزارع والعود أي العودة.

وجدت هذه الملامح الزراعية في باطن بيروت وخارجها، ولقد اعتمد البيارتة في معيشتهم على التجارة والزراعة وبعض الحرف والمهن. نذكر من هذه الملامح الزراعية: بستان أبو سعد، بستان البحباح، بستان البحمدوني، بستان البشناتي، بستان البعلي، بستان البلحة، بستان الحاج بكري البواب، بستان التل، بستان جمال الدين، بستان الحاسبيني، بستان متري حبيب، بستان حيدر آغا، بستان الخطاب، بستان دندن، بستان الزهار، بستان الست، بستان مصطفى سعادة، بستان الحاج يحيى شاتيلا، بستان العيتاني، بستان الغلاييني، بستان علي الغول، بستان الحاج مصطفى القباني، بستان القنطاري، بستان المبسوط، بستان منيمنة.

ومن الجنائن: جنينة الجامع، جنينة الحداد، جنينة حسين باشا، جنينة الدنا، جنينة ياسين...

ومن العود: عودة أرسلان، عودة تلحوق، عودة مصطفى جبر، عودة حبيقة، عودة درويش، عودة ساسين، عودة الرمال، عودة الصباغة، عودة الصيفي، عودة كنيعو، عودة الميرة...

ومن المزارع: مزرعة العرب، وهي منطقة المزرعة اليوم، مزرعة الأشرفية، مزرعة رأس بيروت، مزرعة رأس النبع، مزرعة الصيفي، مزرعة القنطاري، مزرعة القيراط، مزرعة المصيطبة، مزرعة الحمراء، مزرعة قريطم، ومزارع عديدة أخرى.

الآبار والبحيرات والبرك:

عرفت بيروت بأنها مدينة الآبار، ومن هنا اشتق اسمها "بيريت". ومن هنا شهدت المدينة الكثيرمن الآبار التي تكاثرت أمام منازل البيارتة، وجدت هذه الآبار في باطن بيروت وفي خارجها، وقد عرفت باسم أصحابها مثل: بئر الست، بئر حسن في المنطقة المعروفة إلى اليوم بهذا الاسم، بئر العبد في ضواحي بيروت. كما عرفت بيروت المحروسة بعض البحيرات المائية الصغرى.

ومن البرك: بركة الزينية، بركة السوق المشهورة، بركة ونوفرة سوق العطارين، بركة سوق النجارين، بركة المطران، قناة الدركاة، وناعورة جل الطويلة وسواها. هذا ويعتبر إنشاء البرك في بيروت من العادات المستحبة لدى البيارتة، الذين توارثوا هذه العادة، ولا يزال الكثير منهم يذكر بركة سوق اياس، حيث نافورة المياه وبيع الجلاب والتمر الهندي والسوس وسواه (بركة العنتبلي).

الثكنة العسكرية (القشلة) (السراي الكبير اليوم):

تعتبر القشلة العسكرية العثمانية من ملامح بيروت المحروسة. وقد ضمت هذه القشلة العساكر القائمين على حماية المدينة والمنطقة، وكانت مركزاً لتجمع العسكر. وقد عرفت الثكنات باسم التكنات، بنيت غربي مدينة بيروت القديمة على ربوة مرتفعة فوق سوق المنجدين (فوق شارع المصارف حالياً) إزاء شارع طلعة الأميركان قريباً من بوابة يعقوب. وقد وصف تقويم الإقبال موقع الثكنة العثمانية العسكرية بالقول أنها "غربي المدينة وفي أحسن مواقعها اللطيفة".

كان لها في العهد العثماني في أوائل القرن العشرين عدة مسؤولين عسكريين ومدنيين وهم على التوالي: قومندان الموقع سعادتلو علي باشا، كاتب القومندان الملازم عبد الوهاب أفندي، بينباشي التابور (الطابور) رفعتلو شكري أفندي، قول آغاسي رفعتلو زكريا أفندي، أمين آلاي رفعتلو لطفي أفندي، كاتب آلاي رفعتلو عثمان رائف أفندي، الكاتب رفعتلو أحمد حمدي أفندي، إمام الثكنة فضيلتلو كمال أفندي.

وكان يقع إلى شمالي الثكنة المستشفى العسكري العثماني المعروف باسم "الخستة خانة" أو (الأستخانة) وهو المستشفى الذي اتخذ فيما بعد كمقر للقضاء اللبناني (العدلية القديمة المحاذية لكنيسة الكبوشية)، وهو اليوم مقر مجلس الأَنماء والأعمار.

أما الثكنة العسكرية فهي التي اتخذها المفوض السامي الفرنسي مركزاً له في عهد الانتداب الفرنسي، كما اتخذتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة مركزاً لها في الفترة الممتدة بين 1943-1981. وهي التي عرفت باسم "السراي الكبير" الذي انتقل مركزها الجديد إلى منطقة الصنائع حيث سراي الحكومة، وبعد أن قام الرئيس الشهيد رفيق الحريري بترميمها على نفقته الخاصة، اتخذت مجدداً منذ عام 1998 مقراً لرئاسة الحكومة اللبنانية.

الجبانات والمقابر:

تعتبر الجبانات أو المقابر جزءاً أساسياً من ملامح بيروت عبر التاريخ. فكما دورة الحياة هناك دورة الموت. ولهذا كان لا بد من إيجاد هذه الجبانات. والأمر اللافت للنظر أن الجبانات الخاصة بمختلف الطوائف، لم يكن يسمح بإنشائها في باطن المدينة الإسلامية، بل كانت على الدوام خارج السور، وذلك لأسباب دينية واجتماعية وصحية ونفسية. نذكر من بين هذه الجبانات – المقابر:

جبانة الباشورة، جبانة الخارجة، جبانة السمطية، جبانة الشهداء، جبانة الغربا، جبانة المصلى، جبانة المغاربة، وهناك جبانات للطوائف المسيحية واليهودية بالقرب من منطقة الزيتونة قرب منطقة الفنادق، ومقابر أخرى في منطقة الأشرفية وفي منطقة رأس النبع. أما فيما يختص بمقبرة الشهداء الواقعة في إحدى مناطق حرج بيروت. فهي من الجبانات المستحدثة عام 1958 إِثر الأحداث اللبنانية المعروفة. وقد اتخذها المسلمون لدفن موتاهم. كما يوجد بالقرب منها مقابر لذكرى قتلى الجيوش الفرنسية والبريطانية والأوسترالية والمغاربة الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية في بيروت.

وتعتبر جبانة الباشورة من الجبانات الإسلامية القديمة، وقد أطلق عليها قديماً اسم "تربة سيدنا عمر" نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب t. وكانت في البدء بمثابة سد ترابي كبير. وهذه الجبانة الواقعة قبلي بيروت القديمة كانت بدون سور يحميها، إلى أن أحيطت بسور حوالي العام 1310هـ-1893م، وقد سعى ببنائه الشيخ عبد الرحمن الحوت نقيب السادة الأشراف، وذلك للمحافظة على حرمة قبور المسلمين. امتدت جبانة الباشورة عبر التاريخ إلى ساحة رياض الصلح، حيث اكتشفت بين أعوام 2002-2011، الجبانة التابعة للباشورة، وفيها الكثير من قبور الصحابة والتابعين والأولياء.

ومن ملامح هذه الجبانة القبر المعروف في بيروت باسم "قبر الوالي"... وهو قبر والي ولاية سورية أحمد حمدي باشا الذي دفن في الباشورة، ولكن بعد أن عزمت الدولة، في أوائل القرن العشرين توسيع طريق الباشورة، اضطرت بلدية بيروت إلى نقل بعض القبور إلى داخل الجبانة، ومنها قبر الوالي الذي لا يزال إلى اليوم مميزاً في مظهره وشكله حيث تُتوجه القبة.

ويوجد في داخل المبنى ضريح رخامي لوالي سوريا، وعلى قبلي جدار الضريح صورة نافرة كتب عليها عبارة "دستور". وعلى رأس الضريح غرباً عامود رخامي يعلوه طربوش من رخام، وعلى ذلك العمود كتابة باللغة التركية تشير إلى وجود جثمان (جثت) الوالي أحمد حمدي باشا المتوفى عام 1302 [1884م]. وفي الجهة المقابلة شرقاً من الضريح عامود رخامي آخر عليه كتابة بالتركية تشير إلى تاريخ نقل رفات الجثمان إلى داخل جبانة الباشورة عام 1312 [1894م] أي بعد أن أحيطت الجبانة بسور عام 1310-1892بمسعى من الشيخ عبد الرحمن الحوت. وقد زرت هذا الضريح مراراً، لاسيما في مناسبات التعزية، ونقلت هذه المعلومات مباشرة عن الضريح.

أما فيما يختص بجبانة الصمطية، التي يقال لها السنطية والسمطية بالسين والصاد على السواء، فإن موقعها في إطار ما كان يعرف باسم مزرعة القنطاري، وهي تقع بمحاذاة البحر شمالي بيروت قرب مقهى الحاج داوود، في الطريق البحري الموصل إلى مرفأ بيروت، وبمحاذاة أحد أطراف سور بيروت القديم، وقد اتخذها المسلمون لدفن موتاهم، وهي لا تزال قائمة إلى اليوم، ولكن توقف الدفن فيها بسبب الحرب الأهلية اللبنانية التي نشبت منذ العام 1975م. ومن المدفونين فيها مفتي وقاضي بيروت الشيخ أحمد أفندي الأغر، وعمر بك الداعوق، والكثير من المفتين والعلماء والوجهاء.

والسمطية تسمية عربية مشتقة من "السمت" ويلفظها البيروتيون "السمط" بالصاد وهي تعني الطريق والمحجة. وقد استخدم المسلمون كثيراً لفظ "الصمط" و"السماط" واستخدمها أكثر من مرة ابن جبير وابن حوقل، بمعنى الطريق أو جانبي الطريق، وهي بمثابة الأرصفة التي يمكن تحويلها إلى أماكن للبيع والشراء. كما أن السنطية مصطلح ينسب إلى شجر "السنط" الذي كانت زراعته تتكاثر في بيروت المحروسة.

والأمر الملاحظ أن جبانة الصمطية أصبحت عرضة للانتهاك في منتصف القرن التاسع عشر، وقد بني بعض الدكاكين قربها، مما حدا بدفتر دار إيالة صيدا مصطفى عارف أفندي أن يبني جداراً لها يسيجها ويحميها من النهب، وقد قصد من ذلك أن يكرم أهل بيروت، وأن يجعل من هذا السور تذكاراً لبيروت المحروسة وإكراماً لأرواح المسلمين المدفونين فيها.