مقتطفات من المحاضرة:
الدكتور عمر فروخ(1906-1987)
ولد الدكتور عمر فروخ في بيروت عام 1906 بالقرب من السراي الكبير في منطقـة تسمى بستان فرعون ( وهو قصر فرعون الآن فوق منطقة السراي الكبير ) . نشأ الدكتور عمر فروخ منذ نعومة أظفاره في بيت علم ودين وتدين، فقد كان والده عبد الله فروخ مهتماً بالعلم، يريد لأولاده ومنهم عمر الحصول على نصيب واسع من العلم والمعرفة. لذلك حرص على الاهتمام بأولاده وتعليمهم تعليماً حسناً، وكان إلى جانب اهتمامه بالعلم، يلقنهم ويدرّبهم على مسالك الحياة وعلى دروب الأخلاق والفضيلة. ومن يدقق النظر في هذا الأمر، يرى بأن ما زرعه الوالد عبد الله حصده في ابنائه وفي أحفاده.
تعلم عمر فروخ منذ صغره على الشيخة حليمة الفيل، والشيخ يوسف الحلواني، والشيخ عثمان العيتاني، والشيخ راشد عليوان، والشيخ محمد ناصر والأستاذ منير اللادقي رحمهم الله.
ومن هنا يمكن القول بأن نهج آل فروخ في الحياة كان يسير وفق خطين يتمثلان في العلم والفضيلة معاً. لقد بدأ عمر حياته الدراسية الأولى في الكتاتيب العثمانية وكان منذ صغره منكباً على تعلم الحساب والرياضيات والعلوم بالإضافة إلى حرصه الشديد على تعلم وتدبر القرآن الكريم، وقد حدثنا منذ عام 1988 المرحوم الدكتور نسيب البربير، "بأننا كنا نشاهد عمر منزوياً في المدرسة منكباً على القرآن الكريم يدرسه ويتلوه، ثم يطلب منا أخيراً أن يسمعنا الآيات الكريمة غيباً تأكيداً على حفظه لها. وهكذا أيضاً بالنسبة للشعر ومختلف العلوم".
وما أن أصبح عمر فتياً حتى التحق عام 1919 في المدرسة الابتدائية التابعة للكلية السورية الإنجيلية في بيروت (الجامعة الأميركية فيما بعد). وفي عام 1921 دخل السنة الثالثة الاستعدادية في الكلية ذاتها، ونال شهادتها في حزيران (يونيه) عام 1924.
والحقيقة فقد بدأ د. عمر حياته العلمية، وترجمة علومه إلى ميدان الحياة العامة بعد أن تخرج من الجامعة الأميركية عام 1928 بدرجة بكالوريوس علوم، ففي عام 1928-1929 كان مدرساً للتاريخ والجغرافية الطبيعية في مدرسة النجاح الوطنية (جامعة النجاح فيما بعد) في نابلس في فلسطين، والتقى هناك بصديقه الدكتور زكي النقاش.
عمر فروخ الآراء والأقوال المأثورة:
نورد فيما يلي بعض آراء وأقوال عمر فروخ المأثورة، منها على سبيل المثال:
1.إن نفراً كثيرين من التلاميذ لا يفهمون قولي حينما أقول لهم: إن الشهادة لا فائدة منها في نفسها، إنها مفتاح يفتح لك باب الحياة، وبعدئذ يصبح هذا المفتاح لا قيمة له ولا عمل.
2.إن الجاهل هو الذي لا يريد أن يتعلم، وإن المريض هو الذي لا يطلب الشفاء، وإن الفقير هو الذي وهبه الله عقلاً، ثم هو لا يستخدم ذلك العقل الذي وهبه الله إياه.
3.إن في باطن الأرض كنوزاً كثيرة، ولكن يجب على الانسان في سبيل الحصول على هذه الكنوز أن يحفر في الأرض حتى يصل إلى الكنز.
4.إن البيت هو المدرسة الأولى، ولا شك أبداً في أن الأم هي الأستاذ الأول في حياة كل طفل. ثم إن الأعمام والعمات والأخوال والخالات والأجداد والجدات والجيران والزوار، والرفاق والأصدقاء، كل هؤلاء يؤلفون المدرسة الكبرى التي يبدأ كل طفل بتلقي دروسه فيها.
5.لا فائدة من أن نترك الطفل إدعاء بالانفتاح والتقدم والعصرية عشرين سنة يفعل ما يشاء هو، أو ما يشاء له نفر آخرون ثم نأتي إليه يوماً فنعاقبه على أمر ما أو نعاتبه.
6.إن الأساس الأول في التربية أنما هو "القدوة الحسنة" فعلى الأهل أن يسلكو السلوك الصحيح في حضور الطفل وفي غيابه. إن كل شيء يفعله الأب في ستر سيعرفه طفله في يوم ما.
7.ليس للعرب رقي إلا بالعلم، وبالعلم الحقيقي الصحيح المفيد، وإذا كانت المدارس تعلم خمس ساعات في الأيام العادية، فأنا أقترح أن تعلم المدارس عشر ساعات في أيام الأعياد.
8.إن أحسن الأمثلة على التراث في الإسلام "اللغة العربية" إنها قد اتسعت في أوجهها من غير أن تتبدل أو تنحدر عن فصاحتها. أما الأدب فهو الوجه المشرق من تراث الأمة، هو فيها نتاج أصيل لاتصاله باللغة التي هي اخص خصائص كل أمة.
9.لا أرى فائدة من مزاحمة المعلمين الآخرين يوم القبض الرسمي، فإن من الثلاثين إلى الثلاثين شهراً، وإن من اليوم الخامس الى اليوم الخامس شهراً.
10.التربية والتعليم ليس الحضور الى مباني المدارس،ولا الجلوس فقط بين يدي الأساتذة، ولكن التربية والتعليم أن يحتك التلاميذ بالأساتذة، وأن يعنى الأساتذة بالتلاميذ كما لو كانوا يعتنون بأولادهم.
11.لقد تغير الزمن، كما يقولون، لا، إن الزمن لا يتغير لقد فسدوا وما فسد الزمان. أنا أمر الآن في بيروت بثلاث جامعات: لا نكاد نرى تلميذاً إلا وهو يأكل أو يشرب أو يدخن، أو ترى يده في يد تلميذة، فمتى يدرسون؟ غير أن هذا لا يمنع من إن قلة من الطلاب اليوم يسلكون المسلك الصحيح، كما أنه كان في أيامنا قلة تسلك المسلك القبيح.
العلامة المربي الدكتور زكي عبد الرحمن النقاش(1898 – 1988 م)
إن تناول السيرة الذاتية للعلامة المربي الدكتور زكي عبد الرحمن النقاش، لا تكتمل إلا بالحديث عن دوره الرائد في كلية المقاصد – الحرج، وعن دوره الوطني القومي سواء مع الحزب السوري القومي أو مع زعامة جمال عبد الناصر، وعن علاقتي الشخصية به.
فسيرته الذاتية، لا يمكن إيجازها في أسطر معدودة، بل تستحق كتاباً كاملاً، وهو البيروتي الذي ولد في بيروت عام 1898، وتنقل في مدارسها من مدرسة المعلم عيسى، إلى مدرسة راهبات القديس يوسف والمدرسة البطريركية في زقاق البلاط، ثم مدرسة الآباء اليسوعيين، قبل أن يلتحق بالكلية السورية الإنجيلية (أي الجامعة الأميركية) ليتخرج فيها حاملاً شهادة بكالوريوس علوم عام 1922، وهو العام الذي التحق فيه مدرساً في مدرسة فيصل الأول الابتدائية في الحرج، وهي المدرسة التابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية. ولكن طموحه المهني، جعله ينتقل بعد عام واحد لتعليم اللغة الإنكليزية والتاريخ والجغرافيا في مدرسة النجاح الوطنية في نابلس بفلسطين لمدة خمسة أعوام (1923 – 1928)، عاد بعدها إلى بيروت وإلى عرينه مدرسة فيصل الأول التي تولى إدارتها عبد الله المشنوق عام 1928، وتحولت إلى كلية المقاصد عام 1930، واستمر في إدارتها حتى عام 1941.
كان الدكتور زكي النقاش يتولى الناظر العام في كلية المقاصد – الحرج إلى جانب تدريس مادتي التاريخ والجغرافيا أيضاً طيلة عشرة أعوام (1928 – 1938) التحق بعدها بمدارس العاصمة العراقية بغداد مدة ثلاثة أعوام (1938 – 1941)، عاد بعدها إلى بيروت ليتسلم إدارة كلية المقاصد طيلة سبعة عشر عاماً (1942 – 1959) ترك فيها بصمات تربوية واضحة المعالم، وعاصر خلالها أربعة رؤساء لجمعية المقاصد، وهم: الرئيس عمر الداعوق، محمد سلام، مصباح الطيارة، والرئيس صائب سلام.
عرفت كلية المقاصد – الحرج عصرها الذهبي، أثناء إدارة الدكتور زكي النقاش الذي لم تمنعه مهام الإدارة من متابعة تحصيله العالي، فنال شهادة الماجستير في التاريخ من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1947، ثم الدكتوراه في التاريخ من جامعة القاهرة عام 1953.
وكانت مؤلفات الدكتور زكي النقاش، تدور حول القومية والعروبة وأبرزها: العلاقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية بين العرب والإفرنج خلال الحروب الصليبية، التبشير من وسائل الاستعمار، دور العروبة في تراثنا اللبناني، لبنان بين الحقيقة والخيال، طريقنا إلى الوجود، أضواء توحيدية على تاريخ المارونية.
ظل الدكتور زكي النقاش في أواخر حياته محافظاً على مبادئه، زاهداً في المناصب، منزوياً في منزله، وهو يبعث بمقالات نقد وتحليل إلى بعض الجرائد البيروتية، حتى رحل في نيسان 1988، وهو في التسعين، وبقي إسمه خالداً في ذاكرة بيروت ولبنان والوطن العربي، إلى جانب أستاذنا الآخر العلامة الدكتور عمر فروخ.
فتحية بيروتية لبنانية عربية إلى روح أستاذي الكبير العلامة المربي الدكتور زكي عبد الرحمن النقاش.