نظم اتحاد جمعيات العائلات البيروتية ندوة بعنوان "العلاقات الإسلامية - المسيحية في شرق أوسط متغير" في فندق هوليداي إن - دون - فردان، بدعوة من رئيس الاتحاد الدكتور فوزي زيدان، تحدث فيها الدكتور محمد السماك، وحضرها ممثل الرئيس سعد الحريري النائب المهندس محمد قباني، ممثل مفتي الجمهورية القاضي المستشار الشيخ محمد عساف، النائب عمار حوري، الوزيران السابقان خالد قباني وحسن السبع، النائب السابق الدكتور عمر مسيكة، ممثل قائد الجيش العميد البحري جوزف غريب، ممثل المدير العام لقوى الأمن الداخلي العميد عامر خالد، ممثل المدير العام لامن الدولة المقدم أيمن سنو، أمين سر المجلس العسكري العميد مروان الشدياق، قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي، ممثل مدير المخابرات العقيد حيدر، المدير العام لوزارة السياحة السيدة ندى السردوك، المدير العام لوزارة المهجرين المهندس أحمد محمود، قائد فوج الأطفاء في بيروت العقيد محمد الشيخ، القاضي سعيد ميرزا، رئيس جمعية المقاصد المهندس أمين الداعوق، ممثل أمين عام تيار المستقبل المهندس بشير عيتاني، رئيس عمدة دار العجزة الإسلامية الدكتور محمود فاعور وأعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد وعدد من رؤساء العائلات والشخصيات.
أدار الندوة نائب رئيس الاتحاد محمد عفيف يموت، ثم ألقى الدكتور زيدان كلمة قال فيها: "الشرق الأوسط هو مهد الديانات السماوية الثلاث، وكان أتباع هذه الديانات وخصوصا أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية يعيشون منذ قرون في وئام وسلام، ويمارسون شعائرهم الدينية بكل حرية. وكان المسيحيون في هذا الشرق يشكلون في أوائل القرن العشرين نسبة 20 في المئة من سكانه ثم بدأت هذه النسبة في الانخفاض حتى وصلت في وقتنا الراهن إلى حوالى 5 في المئة. وأسباب الانخفاض كثيرة منها، انخفاض معدلات المواليد والهجرة نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتمييز الطائفي والحروب والاضطهادات الدينية التي شكلت في الآونة الأخيرة الدافع الرئيس لها".
أضاف: "يشكل المسيحيون جزءا مهما من الطبقة الثرية والمتعلمة في المنطقة، وساهموا في شكل كبير في حركة النهضة العربية، فلعبوا دورا بارزا في النهضة الثقافية والسياسية العربية، من فتح المدارس والجامعات وإحياء اللغة العربية وإصدار الصحف وتأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية العربية. وكان لهم دور طليعي في تحديث المجتمعات وعصرنتها والانفتاح على الغرب والتفاعل مع ثقافته وتحديث الطباعة والنشر. وكان منهم كبار الأدباء والشعراء والصحافيون والصناعيون والمصرفيون وغيرهم من أصحاب المهن المميزة".
وتابع: "وكانت العلاقات بين المسلمين والمسيحيين جيدة تسودها المحبة والاحترام، وإن كان يتخللها في أحيان قليلة عثرات وتوترات ناجمة من تحريض داخلي أو خارجي لأهداف لا علاقة لها بالدين. وكانت لنا في لبنان تجربة قاسية طغت فيها الغرائزية على العقلانية والعدوانية على المحبة، فباعدت بين المسلمين والمسيحيين، ولكن ما لبثوا أن أحسوا بالخطأ الفاحش الذي ارتكبوه في حق أنفسهم وحق وطنهم، فعادوا بعد اتفاق الطائف إلى رشدهم وأحضان بعضهم البعض".
وأردف قائلا: "ونجح الرئيس الشهيد رفيق الحريري من خلال نهج الانفتاح والاعتدال والتسامح الذي اعتمده في حياته وفي مسيرته الوطنية في إعادة اللحمة إلى المكونات اللبنانية وترسيخ الوحدة الوطنية، وأقرن قوله بالفعل بتمسكه بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين ووقف العد بينهم، وهذا ما يتابعه بكل أمانة حامل مشعله دولة الرئيس سعد الحريري ويحض عليه دائما في خطاباته ولقاءاته مع الناس، وما يدعو إليه باستمرار سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان".
وختم: "لا أريد أن أطيل عليكم أكثر، لأننا جميعا في شوق للتزود من الخزان الفكري للدكتور محمد السماك في موضوع العلاقات الإسلامية - المسيحية في شرق أوسط متغير، شاكرا له تلبيته دعوتنا لإلقاء هذه المحاضرة".
السماك
وبدأ الدكتور السماك محاضرته بالحديث عن العلاقات الإسلامية - المسيحية، فقال: "إن الحوار حول هذه العلاقات ليس حوارا حول العقائد، ولكنه حوار حول الحياة المشتركة في وطن واحد". اضاف: "ان أدياننا مختلفة، وستبقى مختلفة، ولكن الاختلاف الديني لا يشكل على الاطلاق سببا لاختلاف وطني أو سياسي".
واعتبر أنه من خلال "صحيفة المدينة" النبوية فان النبي محمد كان أول من أرسى قاعدة دستورية للتعدد في الدولة الواحدة، حتى في الدولة النبوية.
ثم تحدث عن نظام "الذمية"، فقال: "في الوقت الذي كانت كل الأنظمة المعتمدة في ذلك الوقت تلغي الآخر المختلف أو تستعبده، استحدث المسلمون نظاما وديا واستيعابيا أطلق عليه إسم "الذمية"، بمعنى الالتزام الأخلاقي والضميري بالمحافظة على حقوق وسلامة المسيحيين، ليكونوا مواطنين في ذمة الله وليس في ذمة المسلمين. وإنه بدلا من الزكاة التي يدفعها المسلم، يدفع المسيحي ضريبة مقابل حماية الدولة، هي الجزية.
غير أن هذا النظام أُسيء استخدامه في العصور اللاحقة، المماليك والعثمانيين، وتحول إلى نظام يفرض الدونية والتمييز العنصري والديني، فأساء إلى المسيحيين كما أساء إلى النظام ذاته".
وأكد على مشاعر الود التي نص عليها القرآن الكريم والتي يجب أن تكون أساس العلاقات مع المسيحيين.
وقال: "أما اليوم، فقد تجاوزت العلاقات الإسلامية - المسيحية نظام الذمية بقيام الدولة الوطنية، حيث يتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات. والدولة الوطنية هي صناعة المواطنين أنفسهم، مسلمين ومسيحيين. وهكذا أصبح نظام الذمية في ذمة التاريخ".
وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عن المتغيرات في الشرق الأوسط، فقسمها إلى خمس مراحل هي:
1- مرحلة حرب حزيران 1967، حيث فسرت إسرائيل انتصارها على أنه تعبير عن الإرادة الإلهية في قيام الدولة اليهودية.
2- مرحلة القمم الإسلامية حول تحرير القدس ابتداء من قمة لاهور - باكستان 1974 التي شارك فيها البطريرك الياس الرابع للمرة الأولى، وما رافقها من تداعيات شرحها المحاضر.
3- مرحلة وضع مشاريع أميركية لاحتواء التمدد الشيوعي السوفياتي في العام 1978 ووضع مخططات لتقسيم دول الشرق الأوسط دينيا ومذهبيا وعرقيا.
4- مرحلة التحرك الإيجابي للفاتيكان من خلال السينودس حول لبنان (1995) ثم السينودس حول الشرق الأوسط (2010)، مستشهدا بأقوال للبابا يوحنا بولس الثاني ضد اتهام الإسلام كدين بالارهاب، وضد اعتبار الاجتياح الأميركي للعراق بمثابة حملة صليبية جديدة.
5- مرحلة إجهاض الربيع العربي ووضع الشرق الأوسط أمام خطر استبداد ديني بدلا من الاستبداد السياسي الذي قامت حركة الربيع للتخلص منه .. فكان التكفير والتهجير".
وبعدما بين الدكتور السماك النتائج السلبية الخطيرة لهذه العمليات، دعا إلى وحدة وطنية تقوم على احترام حقوق الإنسان وكرامته، وعلى احترام الحريات الدينية.