أقام اتحاد جمعيات العائلات البيروتية محاضرة بعنوان اللامركزية الإدارية وعلاقتها بالعيش المشترك في فندق هوليداي إن –فردان ألقاها الوزير السابق الدكتور خالد قباني.
ابتدأ اللقاء بكلمة من رئيس الأتحاد الدكتور فوزي زيدان رحب فيها بالحضور شاكراً الفقيه الدستوري والقانوني الوزير السابق الدكتور خالد قباني على تلبيته طلب الاتحاد بإلقائه هذه المحاضرة، وشدد في كلمته على "أهمية اعتماد اللامركزية الإدارية في لبنان أي توزيع وظائف السلطة الإدارية بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية بحيث تمارس السلطة المركزية المهام ذات الطابع الوطني بينما تعنى السلطات المحلية بالشؤون ذات الطابع المحلي، من أجل التخفيف من معاناة المواطنين في الانتقال من مناطقهم إلى بيروت لإنهاء معاملاتهم الرسمية وإضاعتهم أيام عمل والتسبب في أزمة سير خانقة في بيروت والطرق المؤدية إليها، ولفشل الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول للملفات الخدماتية والإنمائية وخصوصاً ملفات النفايات والكهرباء والمياه".
وقال: "إن الدول ذات الأنظمة الديموقراطية تعتمد اللامركزية الإدارية من أجل تسهيل أمور مواطنيها وتيسير أعمالهم وحثهم على إنماء مناطقهم بينما تتمسك الدول ذات الأنظمة القمعية بالمركزية كي تبقى السلطة مهيمنة على مواطنيها وعلى مقدرات الدولة. أما لبنان ومع أن نظامه ديموقراطي إلا أنه يعتمد المركزية كي يبقى القابضون على السلطة فيه متحكمين بمقدراته وبشعبه. وما نشهده اليوم من أزمات ما هي إلا نتيجة فشل هذه السلطة المتلهية بخلافاتها في تأمين الخدمات الضرورية للمواطنين، ما دفع بشريحة واسعة منهم إلى المطالبة باعتماد اللامركزية الإدارية والإنمائية للتخلص من سلطة مركزية فاشلة ولإدارة مناطقها بنفسها".
ثم ألقى الدكتور خالد قباني محاضرته حيث بدأها بـ "أدرك اللبنانيون في أعماقهم ومن خلال تجربتهم التاريخية الطويلة قيمة العيش المشترك في انتظام اجتماعهم السياسي ووحدتهم بحيث أصبح يشكل الضمانة الحقيقية لحريتهم وسيادتهم واستقلالهم.
وجاءت مقدمة الدستور لتؤكد في كل بند من بنودها على أهمية العيش المشترك وتؤمن كل المقومات والضمانات لتحصينه وتعزيزه، فأرسى البند الأول من المقدمة القاعدة الأساسية للعيش المشترك مؤكداً أن لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسّسات، وأن هذه الوحدة تتعزز بالإنماء المتوازن ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، وأن أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين، وبالتالي فلا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.
والجدير بالذكر أن الإصلاحات التي تضمنها اتفاق الطائف، والتي أصبحت معظمها جزءاً من الدستور، جاءت لتحاكي هذه المبادىء الأساسية والجوهرية التي شكلت مقدمة للدستور، ومنها موضوع اللامركزية الإدارية، فنص اتفاق الطائف على اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) وذلك لتمكين الجماعات المحلية من إدارة شؤونها الذاتية عن طريق مجالس منتخبة محلياً وبما يؤدي إلى مشاركة المجتمع المحلي في إدارة الشأن العام بهدف تحقيق الديموقراطية على الصعيد المحلي، كما هي على الصعيد الوطني، على أن يترافق هذا الأمر مع اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً وتعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالإمكانات المالية اللازمة. وبذلك يتحقق الإنماء المتوازن الذي يعتبر من أركان وحدة الدولة واستقرارالنظام، ومن هذا يتبين ما للامركزية الإدارية من آثار إيجابية على العيش المشترك".
وأردف قائلاً: "سنبحث هذا الموضوع من خلال فصلين، نتطرق في الأول منه إلى اللامركزية الإدارية وأبعادها، وفي الثاني إلى مفهوم العيش المشترك، لنكتشف الارتباط الوثيق بينهما في إطار وحدة الدولة.
الفصل الأول: أبعاد اللامركزية الإدارية:
1-البعد التنظيمي الإداري: تقوم اللامركزية على تنظيم الجهاز الإداري في الدولة بشكل يسمح بتعدد أشخاصها الإدارية على أساس إقليمي، ومؤداها استقلال جزء من أرض الدولة بإدارة مرافقه. ويفترض التنظيم الإداري تحديد العلاقة بين السلطة المركزية والسلطات اللامركزية المتمثلة بالمجالس المحلية، وبالتالي توزيع الصلاحية الإدارية بين السلطة المركزية من جهة، والسلطات المحلية من جهة ثانية، بما يحقق الاستقلال الذاتي للهيئات المحلية بإدارة نفسها بنفسها، دون المساس بوحدة الدولة، ذلك أن اللامركزية الإدارية وإن كانت تؤمن استقلالاً ذاتياً للجماعات المحلية، إلا أنها تعيش في حضن الدولة المركزية. فهي ليست تبعية بكون علاقة الوحدات والمجالس المحلية بالسلطة المركزية ليست علاقة رئاسية ولا علاقة خضوع، كما أنها ليست استقلالاً وهي لا تحدد لنفسها مجال اختصاصها أو صلاحياتها، بل يبقى هذا الأمر من اختصاص السلطة المركزية. ويكون للسلطة المركزية حق الرقابة على أعمال الهيئات اللامركزية ضماناً لتحقيق المصالح العامة المحلية واحترام القانون، وبذلك يُحافظ على وحدة الدولة الإدارية والسياسية التي حرص عليها اتفاق الطائف.
2-البعد السياسي: تقوم اللامركزية على مشاركة المواطن في إدارة الشأن العام، فبالتالي فهي ترتكز إلى قاعدة ديموقراطية مؤداها مشاركة الأهالي في القرار وفي إدارة شؤونهم الذاتية بأنفسهم من خلال الانتخابات. والانتخاب على الصعيد المحلي ينمي مستوى معين من الثقافة الديموقراطية ويقوي الولاء الاجتماعي ويدفع المواطن إلى الاهتمام بالشؤون العامة وحمل المسؤولية.
3-البعد الاقتصادي – الإنمائي للامركزية: لقد ذهبت مقدمة الدستور في تركيزها على الإنماء المتوازن للمناطق وأهميته في بناء الوطن ومستقبله، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، إلى حد اعتباره ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام. ويفترض الإنماء المتوازن بأن يكون للدولة دور أساسي بعملية الإنماء يؤكد على وحدة الدولة والمجتمع ويؤمن التوازن بين المناطق والفئات الاجتماعية، وأن يكون للمناطق دور يؤكد على مشاركة المناطق من جهة، وتكتمل بها الخطة الإنمائية الموحدة الشاملة للبلاد من جهة ثانية.
وينطوي هذا البعد الاقتصادي والإنمائي للامركزية على فكرة التضامن الاجتماعي وعلى فكرة العدالة اللتان تعتبران ركيزة أساسية من ركائز بناء الدولة ووحدتها والسلام الاجتماعي، فضلاً عما تنطويان عليه من تعزيز وتحصين للعيش المشترك واستقرار النظام. وقرار الإنماء، هو قرار سياسي من مسؤولية الدولة التي على عاتقها تقع عملية البناء والإعمار والإنماء، ولا تكتمل هذه العملية إلا بمشاركة المواطنين جميعاً ومختلف القوى السياسية ومؤسّسات المجتمع المدني في تحمل المسؤولية. ويؤدي عدم قيام السلطة المركزية بضبط عملية التنمية على المستوى الوطني إلى التفاوت بين المناطق، لأن الانسجام الاقتصادي هو أساسي وضروري للانسجام الاجتماعي.
الفصل الثاني: مفهوم العيش المشترك
تمحور اتفاق الطائف حول مسألة أساسية جوهرية وهي العيش المشترك. وجاء الاتفاق في مضمونه وأهدافه لتأصيل وتعزيز مفهوم العيش المشترك، الذي يشكل الضمانة الحقيقية لوحدة لبنان واستقلاله وسيادته وحريته، ولوجود الدولة المركزية القوية. وقد حددت مقدمة الدستور ركائز وأسس العيش المشترك وسبل حمايته، وتضمنت نصوصه قواعد دستورية تجلت في تنظيم السلطات وتوزيع الصلاحيات. وتتلخص المقومات والمرتكزات الدستورية للعيش المشترك بالآتي:
1-قاعدة المشاركة في الحكم: هدف اتفاق الطائف من الإصلاحات السياسية إلى تأمين مشاركة مختلف الطوائف في الحكم وبالتالي اشتراكها في إدارة شؤون الدولة وفي صنع القرار السياسي حفاظاً على الوفاق الوطني، وعدم إقحام رئيس الجمهورية في الصراعات السياسية كي يبقى فوق الصراعات والنزاعات وصمام أمان للنظام وحكم في الصراع السياسي وضابط لآلة الحكم فيكون هو المرجع وهو الحكم.
2-قاعدة المناصفة في التمثيل السياسي: استبعد الطائف قاعدة العدد باعتبارها المعيار الذي يبنى على أساسه الحكم أو تقاسم السلطة أو توزيع المقاعد في البرلمان أو الحكومة أو في الإدارة. وأقر قاعدة المناصفة، بل المشاركة المتساوية في الحكم، دون النظر إلى أحجام الطوائف من حيث العدد، ووضع جانباً فكرة الديموقراطية العددية لصالح ديموقراطية المشاركة. وأرسى مبدأ التساوي بين المسيحيين والمسلمين في تكوين مجلس النواب، وعلى قاعدة النسبية بين طوائف كل من الفئتين من جهة، والنسبية بين المناطق من جهة ثانية، بما يكفل تمثيلاً عادلاً للطوائف وللمناطق في المجلس النيابي بحيث يكون المكان الآمن للعيش المشترك.
3-قاعدة وحدة الهيئة الانتخابية: ويكتمل مفهوم العيش المشترك باعتبار عضو مجلس النواب ممثلاً للأمة جمعاء. وتقضي قاعدة الهيئة الانتخابية الموحدة بأن ينتخب المرشح عن دائرة معينة من قبل جميع الناخبين المسجلين في هذه الدائرة الانتخابية إلى أي طائفة انتموا.
4-قاعدة الإنماء المتوازن واللامركزية الإدارية الموسعة: اعتبرت الفقرة "ز" من مقدمة الدستور أن الإنماء المتوازن للمناطق، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً، هو ركن أساسي من أركان وحدة الدولة واستقرار النظام، نظراً لدوره في تقليص وردم الهوة في مستويات المعيشة بين اللبنانيين، وفي التخفيف من حدة التفاوت بين الطبقات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية، والتي تنعكس بصورة مباشرة على الوضع السياسي وإثارة النعرات والخلافات، بما يؤثر على حالة الاستقرار في البلاد. ولحظ اتفاق الطائف ضرورة حضور الدولة وإداراتها على مستويات عالية في كل المناطق اللبنانية وتوسيع صلاحيات ممثليها في هذه المناطق، كما نص على توسيع نطاق اللامركزية الإدارية على مستوى القضاء وما دون، بما يعطي للأهلين حق المشاركة في إدارة شؤونهم الذاتية من جهة، ويمكنهم من المساهمة في تنمية مناطقهم وأريافهم، بما يعزز خطة الدولة الإنمائية على مستوى الوطن ويؤمن نجاح الإنماء المتوازن من جهة ثانية، وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية. كما يساهم في تحقيق الديموقراطية على الصعيد المحلي لأن اللامركزية الإدارية تشكل مدرسة للحريات وللثقافة الديموقراطية".
وختم الدكتور قباني محاضرته بالقول "لامركزية إدارية إنمائية، من جهة تعطي للأهالي حق المشاركة في إدارة شؤونهم الذاتية وتنمية مناطقهم في إطار وحدة الأرض والشعب والمؤسّسات ومشاركة سياسية ديموقراطية حقيقية، من جهة ثانية تقوم على مبادىء الحرية والحق والعدالة والمساواة في إطار نظام سياسي برلماني قائم على مبدأ الفصل بين السلطات والالتزام بالدستور واحترام القانون وتكوين للسلطات على أساس مبدأ السيادة الشعبية والتمثيل السياسي المرتكز على مبدأ الشرعية أي الانتخاب الحر المبني على قانون انتخاب يؤمن صحة التمثيل السياسي وانبثاق مجلس نيابي نتيجة انتخابات حرة ونزيهة وقيام سلطة قضائية مستقلة، ولامركزية إدارية إنمائية تقيم توازناً اقتصادياً واجتماعياً وتماسكاً وطنياً وعدالة بين اللبنانيين وتحقق الأمن والأمان الاجتماعي والاستقرار في البلاد، هي مقومات ومرتكزات تؤسّس لعيش مشترك سليم ومعافى ولحياة طبيعية يسودها السلام والوئام والاطمئنان. ويصبح هذا العيش المشترك، وهو جوهر وجود لبنان واستمراره، الضمانة الأساسية للحرية والسيادة والاستقلال، وحين يسقط العيش المشترك يسقط لبنان، ومعه دوره ورسالته.
الحضور:
ممثل الرئيس سعد الحريري النائب الدكتور عاطف مجدلاني، ممثل مفتي الجمهورية القاضي المستشار الشيخ محمد عساف، ممثل وزير الداخلية محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، الوزير السابق الأستاذ محمد يوسف بيضون، الوزير السابق الأستاذ حسن السبع، النائب السابق الأستاذ محمد الأمين عيتاني، ممثل الأمين العام لتيار المستقبل المهندس بشير عيتاني، رئيس مجلس الخدمة المدنية القاضي فاطمة الصايغ، ممثل قائد الجيش العميد الركن البحري جوزف واكيم، ممثل المدير العام لقوى الأمن الداخلي العميد عامر خالد، ممثل المدير العام للأمن العام المقدم عماد دمشقية، قائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي، قائد سرية السير المقدم عماد الجمل، ممثل قائد فوج الإطفاء الملازم محمد سعيدون، الرئيس سعيد ميرزا، رئيس جمعية المقاصد الأستاذ أمين محمد الداعوق، مستشار الرئيس سعد الحريري الدكتور داود الصايغ، الأمين العام للجنة الحوار الإسلامي – المسيحي الدكتور محمد السماك، مستشار رئيس الحكومة الدكتور سامي العجم، عضو المجلس الأعلى للجمارك الأستاذ أحمد الحلبي، عضوا المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الدكتور فيصل سنو والأستاذ بشار شبارو، نائب رئيس جمعية دار العجزة الإسلامية الأستاذ رياض عيتاني، نائب رئيس جمعية تجار بيروت الأستاذ جهاد التنير، رئيس رابطة مخاتير بيروت مصباح عيدو، والقضاة الشيخ خلدون عريمط والشيخ يحيى الرافعي وعمر الناطور ويحيى كركتلي ومحمود مكية، والدكتور غالب محمصاني والنقيب الدكتور موفق اليافي والأستاذ محمد بركات والسفير هشام دمشقية والأستاذ غسان الهبري والمحامي صائب مطرجي والأستاذ أحمد طبارة والسيدة رلى العجوز صيداني والأستاذ عدنان فاكهاني والأمير يوسف دندن والأستاذ محمد كشلي والعميد خالد جارودي والعميد محمود الجمل والعميد الدكتور غسان البلعة والعميد عادل مشموشي والمقدم عبد الرحمن عيتاني والنقيب وليد المصري وأعضاء الهيئة الإدارية للاتحاد ورؤساء الجمعيات العائلية وغيرهم.